منتديات ArabiaWeather.Com - عرض مشاركة واحدة - وما أنا إلا من غزية !
عرض مشاركة واحدة
[ 11-18-2009 ]   رقم المشاركة 1

 

 

الصورة الرمزية معاذ

تاريخ التسجيل: Dec 2008

رقم العضوية: 611

المشاركات: 1,569

الدولة/المدينة: (إربد )و (الهاشمي الشمالي)

الارتفاع عن سطح البحر: الرياض

شكراً: 11,051
تم شكره 8,283 مرة في 1,142 مشاركة

شعور غريب كان يتلبسني بانتظار مباراة الجزائرة ومصر المصيرية التي لعبت في القاهرة قبل أيام .


فبينما أشاهد الجيل المصري الحالي المبدع ، جيل أبو تريكه وأحمد حسن وعمرو زكي وزيدان وغيرهم ، أقول في نفسي بأن كرة القدم ستكون ظالمة إن لم نشاهد هؤلاء في كأس العالم.



وفي الجهة المقابلة ،كان يراودني تعاطف كبير مع المنتخب الجزائري الحالي ، فقد قدم عروضاً رائعة ، أعاد لنا ذكريات الجيل الذهبي ، مادجر والأخضر بلومي والآخرين . وأقول في نفسي إن تأهل الجزائر سيعيد للكرة الجزائرية مكانتها الحقيقية التي فقدتها طوال السنين الماضية .



أظن أن أكثر المشجعين العرب كانوا يفكرون بذات الطريقة ، فهم إما متعاطفون مع المصريين أو الجزائريين ، لكنني متاكد بأن أيا منا لن يكون مستاء إذا تأهلت الجزائر على حساب مصر ، أو مصر على حساب الجزائر.


غير أن ما سبق المباراة من أحداث غيرت نظرتي كلياً ، وأصحبت أمنّي نفسي أن يحدث طارئ ما يؤدي إلى إلغاء المباراة ، ومنح بطاقة التأهل لدولة أخرى غير عربية .
فما شاهدناه من أحداث جعلني أتساءل حقاً عن ماهية الرياضة ، أو الكرة التي لا يتجاوز ثمنها بضعة دولارات ، والتي يمكن أن تلغي تاريخياً قومياً كاملاً في غضون لحظات، تاريخ خاضه المصريون والجزائريون والعرب يداً بيد ، وصلوا فيه قمة المجد حينما تخلوا عن تعصبهم وأيقنوا أن مصيرهم واحد وأن قدرهم مشترك ، ووصلوا فيه إلى الحضيض حينما فرقتهم الأيام ، وتكالب عليهم الأعداء فوجدوهم كالقطيع الذي تفرق فصار من السهل ترويضه .



هي كرة القدم ، لعنة العصر وأيقونته !



نشاهد مراراً مناوشات واحداث شغب ترافق مباريات كرة القدم في أرقى الدول ، هذا شيء واضح ، ويحصل في مدرجات الملاعب ، التي يكون جزء كبير من مرتاديها أشخاص وشباب متحمسون ولا يمتلكون قدرا كبيرا من الحكمة والتعقل.



لكن الأمر يقف عند حدود ملاعب كرة القدم ومدرجاتها ، ولا يتجاوزها ليصل إلى أن يصبح قضية شعب ودولة.



ولا يصل العداء لمرحلة ينتقل فيها من أرض الملعب إلى خارجه ، ويصبح تبادل التهم والمناوشات والتقليل من قيمة الآخر استراتيجية جماعية ، تتبناها الصحف والمحطات الفضائية وكامل وسائل الإعلام .



بل وتتبناها الدولة أيضاً ، فتسيّر مصر أسطولاً لنقل المشجعين ، وترد عليها الجزائر بذات الأسلوب، ويتعرض الجزائريون في مصر لمضايقات لا تقل عنها المضايقات التي يتعرض لها المصريون في الجزائر.



لعل أكثر دولتين تتنافسان وتتعاديان في كرة القدم هما الجارتان اللدودتان ، الأرجنتين والبرازيل ، لكن الأمر حتى في أشد أوقات التنافس يظل محصورا في داخل ملعب كرة القدم ولا يتجاوزه .



فلماذاً نشاهد هذه الترهات ، وهذه العصبية المقيتة عندنا نحن العرب! أكرر أن هنالك تعصباً أينما كان ، لكنه بين الإخوان يكون مرضاً يحتاج علاجاً سريعاً .



إنها حقاً أشبه بحرب بسوس جديدة ، أو حرب أخرى من طينة داحس والغبراء ، فقبل مئات السنين تحارب أجدادنا بسبب سباق بين حصانين أو بسبب ناقة جرباء ، ، والآن يتعادى شعبان من أكبر الشعوب العربية ويتبادلان التهم والشتائم بسبب كرة قدم ، وتروّج وسائل الإعلام بطريقة مقرفة لهذه الحرب ، وتصب الزيت على النار لتشعلها.



إنها عقليتنا العربية التي لم تستطع إلى الآن أن تخرج من بوتقة " التعصب المقيت " التعصب الذي عبّر عنه قديما شاعر عربي جاهلي ، حينما خاض حرباً لا ناقة له فيها ولا جمل، ودون أن يعرف إن كان قومه على حق فيها أم باطل ، ففقد في هذه الحرب أخاه ، وقُتل فيها ابن أخته الذي رباه على يديه ، ورآه يكبر ليصير رجلاً ، قتل ابن أخته في صفوف الاعداء لا في صفوفه هو ، وحينما جلس يتفكر في سبب الحرب وما جرته من ويلات ، استصغر نفسه واستسخفها ، وقال قصيدة صارت إحدى روائع الأدب العربي عبر تاريخه الطويل يقول في بعض أبياتها :



أاذلتي كل امرء وابن أمّه ............متاع كزاد الراحل المتزوّدِ

أعاذلُ إن الرزء أمثال خـــــــالدٍ.............ولا رزء مما أهلك المرء عن يدِ

فــلما عصوني كنت منهم وقد أرى........ غــوايتهــم وإنني غــــير مهتدِ



وذهب أحد أبياتها مثلاً على التعصب المقيت ، والعصبية القبلية القميئة ، حينما ينجر الإنسان وراء الخطأ دون أن يعمل عقله وفكره ، فيظل متعلقاً بالجماعة ، فإن أخطؤوا أخطأ معهم ، وإن أصابوا كان على صواب :





وما أنا إلا من غزية إن غوت .... غويت وإن ترشد غزية أرشدِ




هكذا كان دريد بن الصمة ، وهكذا كان العربي دوما ولا يزال ، حينما يتعلق الأمر بعصبية سواء أكانت للعائلة أم القبيلة أو الدولة ، نراه ينهض فجأة ليحارب دفاعاً عنها ، حتى لو كان السبب سخيفا ، وحتى لو كان قومه على باطل ، فنحن محكومون بالقبيلة فإن رشدت وهداها الله اهتدينا ، وإن غوت وأضلها الله غوينا معها ، ولم نحكّم عقولنا ... والقبيلة ليس شرطاً أن تكون كتلك التي كانت أيام الجاهلية ، فأنواعها وأشكالها الآن تختلف ، وأحد أشكالها ما نراه الآن حينما ثار الجزائريون والمصريون لسبب تافه ..!



حينما نتحدث عن شعبين يبلغ تعدادهما بالملايين ، فلا شك أن من بينهم فئات ضالة ومتهورة تسبب بالأذى لكلا الطرفين ، لكن المشكلة الاكبر هي أن العقلاء ، أو من يفترض فيهم أن يكونوا عقلا قد انقادوا وراء الفئة الضالة وليس العكس ، فصار الجميع مداناً وصار الكل موضع اتهام .



لست أدري من بدأ ، ولست أدري من هاجم الآخر أكثر ، لكنني متأكد من أن الطرفين كانا على خطاً ، وحتى لا يصير بالمصريين والجزائريين مثلما صار بدريد بن الصمة الذي تحسر لاحقا على ويلات حرب حصلت بسبب سخيف ، وكي لا يتحسر الإخوان على خسارة تلك الرابطة التي جمعها تاريخ طويل من الأخوة الصادقة والنضال الطويل يدا بيد ، وحتى لا ينسوا للحظة انهم جزء من أمة واحدة ، تكالبت عليها الهموم والمصائب ، أدعوهم لمزيد من التعقل ، فويل لأمة تشترك في اللغة والدين والعادات والتاريخ والمصير ، وتفرقها كرة ! .




"
وقفات مع التاريخ " فذكّر إن نفعت الذكرى "




نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة



( في الصورة يظهر هواري بو مدين ، أحمد بن بيلا ، وجمال عبد الناصر)




اليوم غير معروف تحديدا ، لكنه مساء أحد أيام سنة 1956 ، عام العدوان الثلاثي على مصر .



المكان مدينة سطيف الجزائرية :



في قلب مدينة سطيف التي تقع على الهضاب العليا الشرقية فجر أحد المجاهدين من فرقة الشيخ العيفة أشهر مجاهدي المنطقة قنبلة داخل حانة تملكها فرنسية اسمها «مدام روشي» وخلف الانفجار مقتل ثلاثة جنود أوروبيين وجرح آخرين. وعلى بعد أمتار من مكان الانفجار اشتبك مع دورية من الجيش الفرنسي وسقط شهيدا وحين فتشه القاضي العسكري وجد في جيبه كراسة صغيرة كتب عليها الله أكبر ـ تحيا الجزائر ـ تحيا مصر ، وتبين فيما بعد أن الهجوم نفذ انتقاما للعدوان الثلاثي على مصر .




المكان الحدود الجزائرية المغربية / الزمان سنوات الاستعمار الفرنسي للجزائر :



طائرات مصرية محملة تتوجه نحو الحدود المغربية الجزائرية ،المصريون يهبطون فوق التراب المغربي على الحدود مع الجزائر، وفجأة على الجانب الجزائري من الحدود يظهر في وسط ظلام الصحراء رجال متشحين بالسواد ، يتجهون صوب المصريين والمغاربة ويحملون صناديق العتاد والأسلحة التي حملتها الطائرات المصرية ، تترك الطائرات الجنود المصريين ليسيروا مع أخوانهم الجزائريين ، وفجاة يختفون عن أعين الجنود الذين يحرسون الحددود وكأن رمال الصحراء ابتعلتهم .



هذا جزء من تاريخ طويل ، جزء بسيط جداً ، اختلط فيه الدم المصري مع الجزائري ، وسقط المصريون شهداء مع الجزائريين أثناء نضالهم لنيل الاستقلال ، واستشهد الجزائرين مع المصريين والأردنيين مع السوريين في أكتوبر / رمضان 1973 ، ومن قبلهم سقطوا شهداء معاً في معارك خاضوها بقلوب مخلصة ، وأخوّة صادقة ، لا يفرقها أسباب أوهى من خيط العنكبوت .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة




  رد مع اقتباس