فإنّ الناظر في أحداث التاريخ يرى أن المجتمعات الغربية النصرانية المعاصرة قد أصبحت منذ استقلال شعوبها تشكل دولًا عنصرية (العنصرية Racism هي: تعصب فرد أو فئة من الناس لجنس أو عرق أو قبيلة أو عشيرة أو دين أو طائفة أو معتقد أو حتى لون بشرة، وإباحة قتل واضطهاد وازدراء بقية الفئات (المعجم الوسيط- جـ2- ص 654- ط3. د. ت. مجمع اللغة العربية- القاهرة)، تكون معسكرًا واحدًا ضد الشرق الإسلامي، وظهرت فكرة البقاء للأقوى، كصورة من صور هذه العنصرية (أبو الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين- ص 212. صط1387هـ- بيروت).
وتقوم العنصرية في المجتمعات الغربية على عدة روافد منها:
1- العداء للعالم الإسلامي:
لقد أدى الصراع المستمر بين العالم الإسلامي وأوربا النصرانية إلى عداء مستحكم بين الطرفين.
وقد تمثل ذلك الصراع في مظاهر عديدة أهمها:
أ- الفتوحات الإسلامية للبلاد الخاضعة لحكم النصارى الأوربيين في الشام وشمال إفريقية والأندلس.
ب- فشل الحملات العسكرية التي نظمها النصارى الأوربيون ضد العالم الإسلامي، وهي المعروفة بالحروب الصليببة التي استمرت حوالي قرنين من الزمان (489 - 690هـ - 1096- 1291هـ).
ج- سقوط القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية 857هـ/ 1453م على يد الدولة العثمانية التي اتخذتها عاصمة لها أسمتها إستانبول، وتلا ذلك فتوحات دول البلقان، كل ذلك أدى إلى تأجج الصراع في المجتمع الأوروبي ضد الشرق الإسلامي، وقد تُرجم هذا الغضب من خلال الاستعمار في العصر الحديث (د. أحمد الزغيبي: العنصرية اليهودية- جـ1 ص 33- ط 1417هـ- مكتبة العبيكان- الرياض).
2- التعلق بالموروث الفلسفي:
لقد استفادت أوروبا حضاريًّا من احتكاكها بالحضارة الإسلامية في الأندلس وصقلية وجنوب إيطاليا، وذلك عن طريق ترجمة العلوم الإسلامية إلى اللغة اللاتينية (قدري طوقان: علماء العرب وما أعطوه للحضارة ص 6، 7). بل إن اطلاع أوروبا على الفلسفتين اليونانية والرومانية جاء عن طريق ترجمة ما نقله الفلاسفة المسلمون في المشرق والمغرب على السواء (أحمد الملا: أثر العلماء المسلمين في الحضارة الأوربية. ص 115 وما بعدها).
وقد برزت منذ عصر النهضة (هو مصطلح يطلق على فترة الانتقال من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة، من القرن الرابع عشر إلى القرن السادس عشر، وقد نزح العلماء إلى إيطاليا، ومنها إلى سائر أوروبا، وكان من أهم مآثر عصر النهضة الكشوف الجغرافية على أيدي طائفة من الرحالة، مثل: (ماجلان، كولومبس،...) (الموسوعة العربية الميسرة ص 1216)، ظاهرة ارتباط المثقفين الأوربيين بهذه الفلسفة، حيث كان من شأن هذا الارتباط أن يعطي للموروثات القديمة من الأفكار العنصرية اليونانية والرومانية، حول تصنيف البشر إلى سادة وعبيد قيمة كبرى تطبع آثارها لدى فريق كبير من المثقفين الغربيين بما تناولوه بالبحث من موضوع المجتمعات ونشأتها وتطورها (عمر الخطيب: نظرات إسلامية في مشكلة التمييز العنصرى- ص70- ط2. د. ت. بيروت)، وترددت أفكار العنصرية على لسان كثير من مفكري الغرب، أمثال: (مونتيسكو، جوبينو، رينان)، وأوضح هذه الأفكار العنصرية أنّ الجنس الآري أفضل من الجنس السامي؛ لأنه جنس راقٍ يتمتع بصفات لا تُقارن بغيرها (عمر الخطيب: نظرات إسلامية في مشكلة التمييز العنصرى- ص 71).
3- التقدم المادي:
مع قيام الثورة الفرنسية (1203هـ/ 1789م) وسقوط التأثير الديني للكنيسة، وبزوغ نجم العلمانية الشاملة في أوروبا أفسح المجال لتحكم النظرة المادية في الحياة الغربية، وبالتالي بروز قوة الغرب المادية، المتمثلة في الثورة الصناعية، وقد كان من نتاج الثورة الصناعية نشوء العنصرية الغربية في العصر الحديث، القائمة على أساس أفضلية الرجل الأبيض الآري على كل الأجناس. ومن أهم أشكال العنصرية في العصر الحديث (وهو يبدأ بالقرن 15م):
1- العنصرية الاستعمارية: وقد كان الاستشراق هو الذراع الرئيس الذي مهد لهذه العنصرية، من خلال نشر النظريات الداعية إلى نشر الثقافة الغربية بين شعوب آسيا وإفريقيا، على أنها هي القادرة على انتشالهم من الجهل وأمارات التخلف (للتوسع انظر: الدكتور عبد الكريم عثمان: (معالم الثقافة الإسلامية) ص 99 وما بعدها- ط5- 1987م- الرياض).
2- العنصرية النازية: كان لأفكار الفيلسوف الألماني نيتشه القدح المغلي في ظهور هذه النزعة النازية؛ نتيجة أفكاره حول (سيادة الجنس الآري). وقد تبنى أدولف هتلر هذه الأفكار وحاول فرض سيطرته على العالم. وكان شعار النازيين: (أمة واحدة، دولة واحدة، زعيم واحد). وقد وصلت العنصرية النازية حدًّا فاق كل تصور؛ إذ نشأت طائفة تتبرأ من المسيح عليه السلام لكونه من بني إسرائيل (أبو الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين- ص 213. وأيضًا: د. أحمد الزغيبي: العنصرية اليهودية- ج1 ص 50، 51، 52. ط 1417هـ- مكتبة العبيكان- الرياض)، ومن نِتاج هذه العنصرية البغيضة في عالمنا المعاصر نلمح ما يلي:
1- لما أعدت أيان هيرسي الهولندية الفلم المسيء للقرآنِ عام 2004م منحها رئيسُ وزراءِ الدنمارك جائزةَ الحريةِ.
2- في عام 2005م ألقى وزيرُ الثقافةِ الدنماركي بريان ميكيلسن خطابًا حرّضَ فيه الفنانين الدنماركيين على الاستهزاءِ بالقرآنِ والإساءة لنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم.
3- قيام صحيفة يولاندس بوستن الدنماركية بنشرِ الرسومِ المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم في عام 2005م.
4- كذلك في عام 2006 ألقى بابا روما محاضرةً في ألمانيا هاجمَ فيها الرسولَ، وكال للإسلام التهم واصفًا إياه بـ(الشرِّ واللاإنسانية).
5- هاجم الرئيس الأميركي بوش الإسلامَ ووصفه بالراديكالية والفاشية في عامي 2005م، 2006م.
أما العوامل التي ساعدت الغرب النصراني على اقتحام عنصريته للعالم الإسلامي فهي كثيرة منها:
1- انشقاق المسلمين إلى فرق: نجحت القوى الحاقدة على الإسلام، المتسللة في صفوف المسلمين في شق المسلمين وصدعهم؛ فظهرت فرق كثيرة، مثل: (الخوارج، والشيعة...) وهي فرق نائت بها الدولة الإسلامية؛ مما أدى إلى تبديد طاقة المسلمين المادية والعسكرية والفكرية بتوجيهها إلى صراعات دامية مع هذه الفرق الزائغة.
2- الانقسام السياسي لدولة الإسلام:
لقد أفلحت النعرات السياسية في تصعيد بعض التناقضات وتعميق روح الخلافات فأدت إلى الصدع بين الزعامات المسلمة. وهذا طبعًا أدى إلى طمع العدو الخارجي في العالم الإسلامي، وأدى إلى ضعف هذا العالم الإسلامي في مواجهة أعدائه، فتوقف المد الإسلامي ثم أخذ بالانحسار، ليعود إلى المد من جديد، في عهد الدولة العثمانية حاملا معه بذور الضعف.
3- التعصب المذهبي:
شاعت منذ القرن الرابع الهجري بدعة التعصب المذهبي؛ فأنتج ذلك مخالفة الكثير من النصوص الصحيحة، وتقديم الرأي عليها، ونشر الفتن والخلاف بين المسلمين والتحايل على الدين، والجمود على التقليد وإغلاق باب الاجتهاد، والاشتغال بالافتراضات الخيالية، الأمر الذي أدى إلى شيوع الجهل على المدى الطويل (للتوسع في هذه العوامل انظر: د. جميل عبد الله: حاضر العالم الإسلامي- جـ1- ص 35- 45- العبيكان- الرياض. وأيضًا: محمد الخضري: تاريخ التشريع الإسلامي- ص 256، 232- ط4- دار المعرفة- القاهرة).
أما الطريق إلى الخروج من تيه العنصرية الغربية -بعد أن تمكن محور الشر العالمي من اختراق كيان الأمة المتماسك بعُرَى الحق- فيتمثل في البحث عن الحق بانتفاضة عقدية تزيل ما لَحِق بثوب الإسلام الأبيض من أوهام، ولا بد من دور للدعاة الربانيين في حومة هذا الصراع بين الغرب الحاقد والشرق الصليبي، وعلى الأمة أن ترجع إلى كتاب ربها تمتاح من معينه الصافي الذي لا ينضب، وتنهل من السنة النبوية بنقائها حفظًا وتطبيقًا، ومن الضروريات في هذه المحنة أن تخلع الأمة ثوب التشرذم وترتدى كساء المودة والمحبة، وتنيب إلى الحق، وتتذكر قول ربها: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11].