ثمــرات .. من حياة الأربعة .. ! - الصفحة 2 - منتديات ArabiaWeather.Com

العودة   منتديات ArabiaWeather.Com > المنتديات العامة (استراحة المنتدى) > المنتدى العام و تعارف الأعضاء > المنتدى الاسلامي

الملاحظات

المنتدى الاسلامي الموسوعة الدينية و يختص بالتعريف بالدين الأسلامي وكل ما يتعلق به

الاخبــــار

رد

 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
[ 11-19-2014 ]   رقم المشاركة 11

 

 

الصورة الرمزية mohamadamin

تاريخ التسجيل: Feb 2009

رقم العضوية: 2643

المشاركات: 513

الدولة/المدينة: عمان- مرج الحمام

الارتفاع عن سطح البحر: 900 - 1000 متر

شكراً: 95
تم شكره 194 مرة في 113 مشاركة

افتراضي رد: ثمــرات .. من حياة الأربعة .. !

أبو بكر وسبقه في كل أعمال الخير

كما رأينا سبقه في الإسلام والإيمان والدعوة..
فإننا أيضًا نرى بوضوح سبقه في كل أعمال الخير..

ففي حديث رواه مسلم عن البزاز ..

"يقول عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما: صلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صلاة الصبح..
ثم أقبل على أصحابه بوجهه فقال: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟"
فقال عمر: يا رسول الله، لم أحدث نفسي بالصوم البارحة، فأصبحت مفطرًا
فقال أبو بكر: ولكني حدثت نفسي بالصوم البارحة، فأصبحت صائمًا

فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "هَلْ أَحَدٌ مَنْكُمُ الْيَوْمَ عَادَ مَرِيضًا؟"
فقال عمر: يا رسول الله لم نبرح، فكيف نعود المريض؟
فقال أبو بكر: بلغني أن أخي عبد الرحمن بن عوف شاكٍ، فجعلت طريقي عليه؛ لأنظر كيف أصبح؟

فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَطْعَمَ مِسْكِينًا؟"
فقال عمر: صلينا يا رسول الله، ثم لم نبرح؟
فقال أبو بكر: دخلت المسجد، فإذا بسائل، فوجدت كسرة من خبز الشعير في يد عبد الرحمن، فأخذتها، ودفعتها إليه.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "أَنْتَ فَأَبْشِر بِالْجَنَّةِ"..
ثم قال كلمة أرضى بها عمر..


بل إن في رواية أبي هريرة في صحيح مسلم ..

يسأل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فوق هذا فيقول: "فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟"
فقال أبو بكر: أنا..

وفي نهاية الحديث قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ..."مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ".


حقًّا.. من العسير والله أن تحصر مواقف السبق في حياة الصديق ..
فالسبق في حياته يشمل كل حياته...

يلخص هذا عمر بن الخطاب في الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي..

يقول عمر: أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن نتصدق فوافق ذلك مالاً عندي..
قلت: اليوم أسبق أبا بكر، إن سبقته يومًا. فجئت بنصف مالي...
فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟"
قلت: مثله.
وأتى أبو بكر بكل ما عنده
فقال(صلى الله عليه وسلم) ... "يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟"
قال: أبقيت لهم الله ورسوله
فقلتُ -أي عمر-: لا أسبقه في شيء أبدًا...

أبو بكر الصديق وإنكار الذات

كان الصديق من أروع الأمثلة الإسلامية على صفة إنكار الذات..
أنكر الصديق ذاته في حق الله..
فلا يأمره الله بشيء ولا ينهى عن شيء إلا امتثل..
واستجاب مهما كانت التضحيات..
والصديق أنكر ذاته في حق رسول الله ..
ومواقفه في إنكار ذاته مع الرسول لا تحصى..
فهو لم يكن يرى نفسه مطلقًا بجوار رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..

والصديق قد أنكر ذاته مع المؤمنين..
حتى من أخطأ في حقه منهم..
بل حتى من تجاوز خطؤه الحدود المألوفة المعروفة بين الناس.

إنكـار الذات معناه: أن الإنسان لا يرى نفسه مطلقًا..
ليس لنفسه حـظٌّ في حياته، وإن كان حلالاً، وإن كان مقبولاً في عرف الناس، وفي الشرع..
لكنه دائمًا يؤخر نفسه، ويقدم غيره...

إنكار الذات معناه: أن تتخلص النفس من حظ النفس..
فلا تهتم بثنـاءٍ، ولا مدح، ولا تنتظر أن يشار إليها في قول أو فعل...

إنكار الذات معناه: أن تؤخر حاجات النفس الضرورية، وتقدم حاجات الآخـرين...
حتى وإن لم تربطك بهم صلات، أو علاقات رحم، أو مصلحة، أو مـال...

إنكـار الذات هو أعلى درجات السمو في النفس البشرية..
تقترب فيه النفس من الملائكة، بل لعلها تفوق الملائكة..
لأن الملائكة جبلت على الطـاعة..
أما الإنسان فهو مخير بين الخير، والشر.

ولعل أكثر مثل يوضح لنا إنكار الذات نجده في الأم، في تعاملها مع أولادها..
وليس معنى إنكار الذات، أن الإنسان لا قيمة له، بل على العكس..
فالمنكرون لذواتهم هم أعلى الناس قيمةً، وأرفعهم قدرًا..
لكنهم لا ينتظرون من الناس مقابلاً...

الأم مثلاً لا ترى نفسها أمام أولادها، قد تتعب، قد تـسـهر، قد تنفق، قد تـسـاعد..
تفعل أي شيء، أي شيء، وهي سعيدة بذلك؛ لأنها أسعدت أولادها..
ولا ترى ما أصابها من تعب أو سهر أو مرض، هذه هي الأم.
بيد أن إنكار الذات عند المؤمن أعلى من ذلك، أعلى من ارتباط الأم بوليدها...

لمـاذا ؟

ذلك لأن الأم ترتبط بوليدها برابطة فطرية، طبيعية..
كما أنها لا تنكر ذاتها إلا مع أطفالها، فقد لا تفعل ذلك مع جيرانها، أو معارفها، أو أقاربها، أو حتى مع زوجها..

أمـا المؤمن الذي يفعل ذلك، فإنه ينكر ذاته في حياته كلها، مع القريب والبعيد، مع الأهل..
وغيرهم، مع الأصحاب، وغير الأصحاب..
بل قد يفعل ذلك مع من أخـطـأ في حقه وآذاه، صفة عجيبة حقًّا، صعبة، عالية جدًّا,,
في أعلى درجات سلم الإيمـان...



  رد مع اقتباس
[ 11-19-2014 ]   رقم المشاركة 12

 

 

الصورة الرمزية mohamadamin

تاريخ التسجيل: Feb 2009

رقم العضوية: 2643

المشاركات: 513

الدولة/المدينة: عمان- مرج الحمام

الارتفاع عن سطح البحر: 900 - 1000 متر

شكراً: 95
تم شكره 194 مرة في 113 مشاركة

افتراضي رد: ثمــرات .. من حياة الأربعة .. !

أين حظ النفس عند الصديق؟

ابحث في حياة الصديق... ونَقّب...

أين حظ النفس عند الصديق؟

لا تجد..

أين إشباع الرغبات الطبيعية عند البشر من حبٍّ للمال، وحبٍّ للجاه، والسلطان..
وحب للسعادة، وحب الظهور، بل حب الحـيـاة؟

أين ذلك عند الصديق؟

لن تجده أبدًا..

مثال عجيب من البشر، وآية من آيات الرحمن في خلقه..
ولعلنا نكتفي هنا بالمرور السريع على مثال من إنكار الصديق لذاته..

ولعلنا نتوقف عند المـال مثلاً.

أين حظ الصديق من ماله؟

جبل الصديق على حب العطاء، حتى لتشعر وأنت تقرأ سيرته أنه يستمتع بالعطاء ويبحث عنه..

وهذا شيء عجيب..

فالإنسان بصفة عامة جبل على حب المال حبًّا شديدًا..

قال سبحانه ..

(وَتُحِبُّونَ المَالَ حُبًّا جَمًّا)

وقال أيضا ..

(قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا)

أي شديد البخل وشديد المنع..

والصديق لم يكن كذلك، وسبحان الذي سَوّاه على هذه الصورة...
فالصديق كان يحب الإنفاق حتى في الجاهلية ..
قبل أن يسلم. عمله في ضمان الديات..

وكان إذا سأل قريشًا ضمانًا قبلوه... وإذا سألهم غيره خذلوه..
وهذا عمل خطير..
فقد يتحمل الصديق دية رجل، ثم لا يوفي أهله، فيكون على الصديق قضاؤها..
أي أنه عمل فيه خسارة، ويحتاج إلى كثير من المال..
وإلى نفس راغبة في قضاء حوائج الناس، وتحمل مغارمهم..

إذا كان هذا هو الصديق قبل إسلامه، فما بالكم بعد أن أسلم؟

ما بالكم كيف يكون حاله إذا سمع من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
حديثًا قدسيًّا ينقله عن رب العزة يقول فيه الله تعالى..

"انْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ"

بل كيف يكون حاله وقد سمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقسم أن مال العبد لا ينقص من الصدقة؟

والصديق لا يحتاج إلى قسم الرسول (صلى الله عليه وسلم) ليصدقه..

الصديق كان واضعًا نصب عينيه حقيقة ...
ما اختفت لحظة عن بصره وعقله وقلبه..

تلك الحقيقة هي .. إن كان قال فقد صدق...

هكذا، مجرد القول يعني عنده التصديق الكامل الذي لا شك فيه..

فما بالكم إذا سمعه (صلى الله عليه وسلم) يُقسم؟

الصديق ينفق ماله كله في سبيل الله

هذه الطبيعة الفطرية...
وهذا اليقين في كلام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ..
يفسر لنا كثيرًا من مواقف الصديق ...

فالصديق شاهد مع بدايات الدعوة في أرض مكة..
التعذيب الشديد والتنكيل الأليم بكل من آمن من العبيد..
والعبيد في ذلك الزمان يباعون ويشترون..
وليس لهم أدنى حق من الحقوق..

تألمت نفس الصديق الرقيقة لهذه الوحشية المفرطة من الكفار مكة..
وسارع بماله ينقذ هذا، ويفدي ذاك، يشتري العبد، ثم يعتقه لوجه الله..

هكذا..

(لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا)

مر الصديق ببلالٍ ..
وهو يعذب على صخور مكة الملتهبة، وعلى صدره الأحجار العظيمة..
فساوم عليه سيده أمية بن خلف عليه لعنة الله، وعرض عليه أن يشتريه..
أو يبادله بعبد آخر أجلد منه، وأقوى، وليس بمسلم..
وفي رواية أنه اشتراه بسبع أوقيات من الذهب..
ودار حوار رائع بين الصديق ، وبين أمية بن خلف عليه لعنة الله..

قال أمية يريد أن يبث الحسرة في قلب الصديق: لو عرضت عليَّ أوقية واحدة من الذهب لبعته لك

قال الصديق العظيم في هدوء: لو طلبت مائة أوقية من الذهب لأشتريه.

سبحان الله...

فارتدت الحسرة في قلب أمية بن خلف..
أمية بن خلف المشرك لا يدرك قيمة بلال، بعد أن أسلم..
لكن الصديق يدرك ذلك..

فهذا العبد الأسود القليل في نظر المشركين، وأهل الدنيا..
هذا العبد ذاته ثقيل في ميزان الله ..
بما يحمل في قلبه من إيمان وتوحيد وإسلام..
هذه المعاني الرقيقة السامية لا يفهمها أهل المادة..
لكن يفهمها الصديق بعمق ويتعامل على أساسها.
واشترى الصديق أم عبيس رضي الله عنها وأعتقها...

واشترى زنيرة رضي الله عنها وأعتقها..

واشترى النهدية وابنتها رضي الله عنهما وأعتقهما..
ولهما قصة لطيفة رواها ابن إسحاق في سيرته..

كانت النهدية وابنتها ملكًا لامرأة من بني عبد الدار..
مر بهما الصديق ..
وقد بعثتهما سيدتهما بطحين لها وهي تقول: والله لا أعتقكما أبدًا..
قال أبو بكر الصديق : حلّ يا أم فلان. أي تحللي من يمينك..
فقالت: حل أنت، أفسدتها فأعتقهما...
قال: فبكم هما؟
قالت بكذا وكذا
قال الصديق : قد أخذتهما، وهما حرتان، ارجعا إليها طحينها...


!!!!

هنا نجد ردًّا لطيفًا عجيبًا من الجارتين المسلمتين اللتين تخلقتا بخلق الإسلام الرفيع..

فقالتا: أو نفرغ منه يا أبا بكر، ثم نرده إليها؟

سبحان الله، بعد النجاة من هذا الظلم الشديد..
والسخرة المهينة..
ما زالتا تحرصان على مال سيدتهما...

قال الصديق : ذلك إن شئتما..

ومر الصديق بجارية بني مؤمل (حي من بني عدي) وكانت مسلمة...
وكان عمر بن الخطاب رضي الله آنذاك مشركًا..
وكان شديد الغلظة على المسلمين، وكان يضربها ضربًا مؤلمًا لساعات طوال، ثم يتركها..
ويقول: إني لم أتركك إلا عن ملالة...
مر بها الصديق .. فابتاعها ثم أعتقها لوجه الله.

ودعا الصديق غلامه عامر بن فهيرة إلى الإسلام... فلما أسلم أعتقه أيضًا لوجه الله.

وكما رأينا فإن الصديق لم يكن يفرق بين عبد وأمة، أو قوي وضعيف..

هذا الأمر لفت نظر أبيه أبي قحافة فقال له: يا بني إني أراك تعتق رقابًا ضعافًا..
فلو أنك إذ فعلت أعتقت رجالاً جلدًا، يمنعونك، ويقومون دونك؟


ولا ننسى أن الصديق من بطن ضعيف من بطون قريش..

فقال الصديق في إيمان عميق: يا أبت إني إنما أريد ما أريد لله ..

فأنزل الله في حقه قرآن كريمًا

(وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى)

وتخيل معي أن الله ينزل قرآنًا يشهد فيه للصديق بالتقوى، بل بأنه الأتقى..
ويشهد له بإخلاص النية، فهو يريد أن يتزكى، ولا يريد جزاء من أحد، وإنما يريد وجه الله فقط..
ثم انظر الوعد الرباني الجليل العظيم، ولسوف يرضى...
ومهما تخيلت من ثواب وجزاء ونعيم..
فلا يمكن أن تتخيل ما أعده الله لمن وعد بإرضائه..

و روى أبو داود في سننه عن أبي هريرة ..

قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. "أَمَا إِنَّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي"

الصديق كان يملك عند إسلامه 40 ألف درهم..
أنفقها جميعًا في سبيل الله ..
أنفق منها 35 ألف درهم في مكة..
حتى لم يبق إلا 5000 درهم..
أخذها معه في الهجرة أنفقها على رسول الله وعلى المؤمنين..
حتى فني ماله، أو قل: بقي ماله. وليس: فني ماله..

فالذي يبقى هو الذي يُنفق في سبيل الله..
والذي يفنى هو الذي يُمْسك في يد العبد..
لكن تخيل قدر هذا الإنفاق لا بد أن نعرف قيمة هذه الأربعين ألف درهم في زماننا..
ولا تنسى أننا نتحدث عن زمن مر عليه أكثر من ألف وأربعمائة عام...

خاصة لو علمنا أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كما في الأحاديث ..
قد اشترى يوما شاة بدرهم .. فلك أن تقدّر ما فعل الصديق بماله خدمة للإسلام ؟!!

هذا الإنفاق العجيب، والنفس المعطاءة ..
هو الذي دفع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليقول ..

"مَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ مَا نَفَعَنَي مَالُ أَبِي بَكْرٍ"
فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: هَلْ أَنَا وَمَالِي إِلا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهَ.


وفي رواية الترمذي ...
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..

"مَا لأَحَدٍ عِنْدَنَا يَدٌ إِلاَّ وَقَدْ كَافَأْنَاهُ، مَا خَلا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا يَدًا يُكَافِئُهُ اللَّهُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ"



  رد مع اقتباس
[ 11-19-2014 ]   رقم المشاركة 13

 

 

الصورة الرمزية mohamadamin

تاريخ التسجيل: Feb 2009

رقم العضوية: 2643

المشاركات: 513

الدولة/المدينة: عمان- مرج الحمام

الارتفاع عن سطح البحر: 900 - 1000 متر

شكراً: 95
تم شكره 194 مرة في 113 مشاركة

افتراضي رد: ثمــرات .. من حياة الأربعة .. !

أبو بكر الصديق ونعمة الثبات

لما علم الله عز وجل من الصديق إيمانًا عميقًا في قلبه..
ويقينًا صادقًا في عقله، وعملًا صالحًا في كل جوارحه..
ولما رأى منه حبًا جارفًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ..
قاد إلى تصديق كامل، واتباع دقيق..

ولما اطلع على قلبه فوجده رقيقًا حانيًا عطوفًا، ووجد خلقه حسنًا رفيعًا عاليًا..

ولما علم منه سبقًا إلى الخيرات، ومسارعة إلى الحسنات وحسمًا وعزمًا في كل أمور حياته..

ولما رأى منه عطاءً ثم عطاء .. لما رأى منه كل ذلك وغيره..

أنعم عليه بنعمة عظيمة وهِبة جليلة..
أنعم عليه بنعمة الثبات على كل ما سبق من خير، الثبات على الإيمان، وعلى الإسلام..
الثبات على الطاعة وحسن الخلق..
الثبات على العطاء، الثبات أمام الفتن..
كل الفتن صغيرة كانت أو كبيرة، دقيقة كانت أم عظيمة، خفية كانت أم ظاهرة...
والثبات شيء صعب وعسير، الإنسان قد ينشط في فترة من الفترات..
لكنه سرعان ما يفتر، قد يقوى في زمان، لكنه يضعف في أزمان..

قال (صلى الله عليه وسلم)..

"إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَقَدْ هَلَكَ"

ولكن العجيب في حياة الصديق ...
أن ترى ثباتًا في كل الفضائل، وفي كل المواقف منذ أسلم، وحتى مات..
مهما تغيرت الظروف والأحوال...

والثبات فعلًا شيء عسير..
الدنيا من طبيعتها التقلب، من النادر أن تجد فيها شيئًا ثابتًا..

يقول سبحانه..

(يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الأَبْصَارِ)

وفي موضع آخر يقول..

(وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)

ويقول في موضع ثالث..

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ البَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ العُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)

هكذا الإنسان دائمًا في تقلب، والأرض كذلك دائمًا في تقلب، والقلب أيضًا كذلك، كثير التقلب..
بل قيل: إن القلب سمي قلبًا؛ لأنه سريع التقلب...

و عن أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول "يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكِ"
فقلت: يا رسول الله، آمنا بك، وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟
قال: نَعَمْ، "إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنِ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ"...


وفي رواية لمسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص..

قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول..
"إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ"..
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَا مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ، صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ"...


ويزداد الأمر صعوبة على القلب بتغير الظروف من حوله..
فقلب قد يثبت على حاله من الغنى، فإذا افتقر الإنسان فتن..
وقلب قد يثبت على حاله من الفقر، فإذا اغتنى الإنسان فتن..
قد يثبت في بلد، ويفتن في آخر..
قد يثبت في عمل، ويفتن في آخر..
قد يثبت في سن، ويفتن في سن آخر..
بل قد يثبت في نهار، ويفتن في ليل..
بل قد يثبت لحظة، ويفتن في لحظة تالية..

والإنسان في هذه الدنيا ليس متروكًا في حاله، كثير من الأعداء تناوشه وتهاجمه..
والشيطان لا يهدأ ولا يستكين..

قال تعالى..

(ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)

فالدنيا مجموعة متراكمة من الفتن...

ولهذا قال تعالى..

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الغَرُورُ)

ونفس الإنسان تُغير كثيرًا من قلبه..

قال تعالى..

(إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي)

وشياطين الإنس أحيانًا ما يكونون أشد ضراوة من شياطين الجن..

وبين كل هذه المتقلبات يعيش القلب، فكيف لا يتقلب؟
وهو القلب المشهور بالتقلب..

والقلب إن كان ضعيف الإيمان فتقلبه خطير..

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ
خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الخُسْرَانُ المُبِينُ)


والنجاة من التقلب عسيرة إلا إذا مَنّ الله بها على عبده..
والله لا يَمُنّ بالثبات على عبد خامل كسلان، بل لا بد أن يقدم شيئًا..

اسمع إلى قوله عز وجل..

(لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا
فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}


إذن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم اتباعًا لصيقًا دقيقًا يقي الإنسان شر الفتن..
أو قل: يجعل الإنسان أهلًا أن يَمُنّ الله عليه بنعمة الثبات..
جميع الخلق بلا استثناء لا يثبتون بغير تثبيت الله لهم...

اقرأ إن شئت كلام الله سبحانه..
في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم..

(وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا)

واقرأ معي قوله تعالى..

(يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ)

وأكثر المسلمين اتباعًا لسنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ..
كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه..

وأكثر المسلمين تلقيًا لتثبيـت الله بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)...
كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أيضًا..

حياته عجيبة ..
كم من الفتن عرض عليه، وكم من الثبات قدّم ..

يقول (صلى الله عليه وسلم).. عن سعد بن أبي وقاص..

قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاءً؟
قال (صلى الله عليه وسلم) ... "الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ، فَالْأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ، حَتَّى يُتْرُكُهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ"

ثبات أبي بكر أمام فتنة المال

قصدنا أن نبدأ بها... لأنها فتنة عظيمة..
وكثير من المؤمنين يثبتون أمام فتن شتى، فإذا جاءوا إلى فتنة المال، وقعوا فيها..
ويقول أحد الصحابة: ابتلينا بالضراء، فصبرنا، وابتلينا بالسراء، فلم نصبر...

حتى إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)... يقول .. "إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً، وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ"

وإن كان هناك بشر لا يهتز أمام المال غير الأنبياء..
فهو أبو بكر الصديق ...

ولقد شاهدنا كثيرًا من المتقين، وشاهدنا كثيرًا من الزاهدين في الدنيا..
وسمعنا عن أمثلة عظيمة، ومواقف مشهودة..
لكننا لم نسمع عن رجل اعتاد أن ينفق كل ماله في سبيل الله، لا يُبقي لأهله، ولنفسه شيئًا..
ليس مرة أو مرتين يفعلها، ولكنه اعتاد الثبات على ذلك..

ونحن تحدثنا من قبل عن إنفاقه في الدعوة في حياة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)...
سواء في فترة مكة، أو المدينة، وذكرنا تقدير رسول الله لذلك..
لكن نذكر هنا طرفًا سريعًا من ثباته أمام فتنة المال بعد أن تولى الخلافة:

فها هو الصديق بعد أن أنفق ماله كله، يمتلك مقاليد الحكم في المدينة..
ويضع يده على بيت المال..
وها هي القبائل المرتدة تعود إلى الإسلام بعد عام من القتال المستديم..
فيأتي خراجها، وتأتي صدقاتها، ويمتلأ بيت المال..
ثم ها هي فارس تفتح، والشام كذلك تفتح، وتأتي الغنائم وفيرة، والكنوز عظيمة..

فماذا فعل الصديق رضي الله عنه؟

ما تغير قدر أنملة، وما فتن بالدنيا لحظة..

ليس الصديق الذي يتبدل...
لقد أعطى الدنيا حجمها، وزهد فيها..
وأعطى الآخرة حجمها كذلك فعمل لها..

وهو الذي سمع من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..

"وَاللَّهِ مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعُهُ هَذِهِ فِي الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ. يعني التي تلي الإبهام"

ما غاب عن ذهنه أبدًا هذا المقياس..
ومن أجل هذا لم يفتن بالدنيا لحظة، لقد سمع وصية من معلمه ومعلمنا..
ومرشده ومرشدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)...
فوضعها نصب عينيه..

وفي حديث نبوي آخر ..

"إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ"

وأصبح الصديق ذات يوم بعد أن ولي الخلافة..
وعلى يده أبراد (والبُرد هو الثوب المخطط) ..
فكان يحمل هذه الأبراد متجهًا إلى السوق؛ ليتاجر كعادته، حتى بعد أن أصبح خليفة...!

فلقيه عمر بن الخطاب، فسأله: أين تريد؟
قال: إلى السوق.
قال عمر: تصنع ماذا؟ وقد وليت أمر المسلمين.
قال: فمن أين أطعم عيالي؟


!!!!!!!

ولنتأمل..
يده على بيت المال بكامله، ويتساءل هذا السؤال !

فأشار عليه أن يذهبا إلى أبي عبيدة أمين بيت المال..
ليفرض له قوته وقوت عياله، فذهبا إليه، ففرض له..

إلى هذه الشفافية في الضمير، والأمانة في اليد، والنقاء في النفس وصل الصديق..
ينزل إلى السوق، وهو خليفة كي يتاجر حتى يطعم عياله..
وطبعًا عف الصديق، فعفت الرعية..
ولم نسمع عن وزير من وزراء، أو مستشار من مستشاريه هرّب أمواله إلى بنوك فارس والروم...

وانظروا إلى الصديق، وهو على فراش الموت، بعد رحلة طويلة من الجهاد المضني..
انظروا إليه كيف يقول وهو رأس الدولة التي دكت حصون فارس والروم..

يقول مخاطبًا عائشة رضي الله عنها: أما إنا منذ ولينا أمر المسلمين، لم نأكل لهم دينارًا، ولا درهمًا..
ولكنا قد أكلنا من جريش طعامهم (يقصد الطعام البسيط) في بطوننا..
ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا..
وليس عندنا من فيء المسلمين قليل ولا كثير، إلا هذا العبد الحبشي، وهذا البعير الناضب..
وهذه القطيفة (كساء في بيته رضي لله عنه)..
فإذا مت فابعثي بهن (العبد الحبشي، والبعير الناضب، والقطيفة) إلى عمر وابرأي منهن
تقول السيدة عائشة: ففعلت.


فلما جاء الرجل الذي أرسلته السيدة عائشة إلى عمر..
بكى حتى جعلت دموعه تسيل في الأرض..

ويقول: رحم الله أبا بكر، لقد أتعب مَن بعده، رحم الله أبا بكر، لقد أتعب من بعده، رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده

وجاء في رواية أخرى موقفًا آخر له عند الوفاة يصور مدى عفته وثباته..

إذ قال: إن عمر لم يدعني حتى أصبت من بيت المال ستة آلاف درهم وإن حائطي الذي بمكان كذا وكذا فيها.

يقصد أن عمر قد أرغمه على تقاضي أجر من بيت مال المسلمين..
ويرى الصديق أنه كان كبيرًا، مع أنه لم يكن يكفي إلا الكفاف..
كما ثبت في روايات أخرى، فالآن سيتبرع لبيت المال بحائط له في مقابل هذا المال.

فلما توفي الصديق ذُكِر ذلك لعمر فقال: رحم الله أبا بكر، لقد أحب أن لا يدع لأحد بعده مقالًا.



  رد مع اقتباس
[ 11-19-2014 ]   رقم المشاركة 14

 

 

الصورة الرمزية mohamadamin

تاريخ التسجيل: Feb 2009

رقم العضوية: 2643

المشاركات: 513

الدولة/المدينة: عمان- مرج الحمام

الارتفاع عن سطح البحر: 900 - 1000 متر

شكراً: 95
تم شكره 194 مرة في 113 مشاركة

افتراضي رد: ثمــرات .. من حياة الأربعة .. !

فتنة غلبة أهل الردة بعد وفاة النبي

فتنة عظيمة هائلة مروعة...
لا نستطيع في هذا المضمار الضيق أن نوفيها حقها..
لكن نشير فقط إلى ثبات الصديق ..

هذا الثبات الذي فاق كل تخيل، حتى فاق تخيل الصحابة أنفسهم..
والفتنة كانت هائلة..

ارتدت جزيرة العرب بكاملها إلا ثلاث مدن وقرية: مكة، والمدينة، والطائف..
وقرية جواثا في منطقة هجر بالبحرين..

لا أقول عشرات الآلاف من المرتدين، بل مئات الآلاف..
وليس فقط بمنع الزكاة، بل منهم من ارتد كلية عن الإسلام..
ومنهم من فتن المسلمين في دينهم وعذبهم وقتلهم..
ومنهم من ادعى النبوة..
غلبة عظيمة لأهل الردة، وقلة في المؤمنين..

و في هذا الموقف الحرج رأى جمهور الصحابة أن اعتزال الفتنة بتركها هو الأولى..

قالوا للصديق .. الزم بيتك، وأغلق عليك بابك، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين..

يأس كامل في الإصلاح، وإحباط يملأ القلوب..
موقف من أصعب مواقف التاريخ قاطبة..
لكن الصديق كان أعلم الصحابة، وأفقه الصحابة، وأثبت الصحابة..

فتحول الشيخ الكبير الرحيم المتواضع ضعيف البنية..
إلى أسد هصور، عظيم الثورة، شديد البأس، عالي الهمة، سريع النهضة..
أصر على قتال المرتدين جميعًا وفي وقت متزامن..

وقال في شأن مانعي الزكاة: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقا (الأنثى من ولد الماعز) وفي رواية عقالًا (وهو الحبل الذي يربط به البعير) كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم على منعها...

وقال في شأن بقية المرتدين، والذين يبلغون مئات الآلاف.. أقاتلهم وحدي حتى تنفرد سالفتي. أي: تقتطع عنقي.

بهذه العزيمة، وهذه العقيدة..
ولذا لما رأى الصحابة هذا الإصرار من الصديق ...
انشرحت صدورهم لهذا الحق الذي أجراه الله على لسان هذا الرجل...

يقول عمر كما جاء في صحيح البخاري.. فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر، فعرفت أنه الحق.

وهكذا أخرج الصديق الجيوش تلو الجيوش..
11 جيشا في ملحمة خالدة، تضحيات عظيمة، تعب وجهد، ودم وشهادة، ثم نصر وتمكين وسيادة..
وأشرقت الأرض من جديد بنور ربها..
وحكمت الجزيرة العربية مرة ثانية بالقرآن..
وأعز الله الإسلام وأهله..
وأذل الله الشرك وأهله.
كل هذا في عام واحد..

عام واحد فقط .. والحمد لله رب العالمين ..

ثبات أبي بكر في فتنة أهل فارس والروم

فارس والروم في ذلك الزمان ...هما أعظم قوتين عسكريتين في الأرض..
يقتسمان العالم، ويهيمنان على معظم مساحة المعمورة..
دول متقدمة صاحبة حضارة..
ومال..
وعمران..
وجنات وأنهار..
وأعداد لا تحصى من الرجال..
وسلاح لا مثيل له في زمانهم..
وأعوان في كل بقاع الأرض، وتاريخ في الحروب، وتنظيماتها، وخططها، وطرقها..

الصديق في الطرف الآخر يحكم دولة أقصى مساحتها جزيرة العرب..
لم تتعود على الحروب النظامية..
فقيرة الموارد..
ضعيفة السلاح قليلة العدد.. ليس هذا فقط..
لكنها لم تنفض يدها بعد من حروب أهلية طاحنة أكلت الأخضر واليابس..
تلك هي حروب الردة..

فيخرج الصديق من هذه الحروب الهائلة بعزيمة أقوى من الجبال..
ولا تهزه عروش كسرى وقيصر..
ويأخذ قرارًا عجيبًا، وهو فتح فارس..
وذلك بعد أقل من شهر على انتهاء حروب الردة...!

ثم يتبعه بقرار آخر أعجب بعد خمسة شهور.. وهو فتح الشام..
وقتال الروم في وقت متزامن مع قتال الفرس..!!

وكما فصلنا من قبل..
فالصديق كان على يقين من النصر..
ولم يكن يساوره أدنى شك في أن الدولة الأخيرة ستكون للمؤمنين..
وخاض معاركه بهذه الروح..

وكتب الله له النصر بعد جهاد طويل، ومعارك هائلة..
وضع فيها الصديق رضي الله عنه خططًا عبقرية..
وقال فيها أراءً سديدة وفعل فيها أعمالًا مجيدة...

ثبات أبي بكر على فتنة الطاعة والعبادة

قد يظن ظان أن هذا الأمر بسيط، وهين...
إلى جوار غيره من الفتن التي تعرضنا لذكرها آنفا..
فتن المال..
والرئاسة..
والأولاد..
والإيذاء..
وضياع النفس..
وترك الديار..
وغلبة أهل الباطل..

قد يظن ظان أن من ثبت في هذه الأمور الشديدة ..سيثبت حتمًا في أمر الطاعة والعبادة..
فهي أمور في يد كل مسلم..
يستطيع أن يصلي ويصوم ويزكي..
بديهيات عند كثير من الناس..

لكن هذه لمن أعظم الفتن...
قد يسهل على الإنسان أن يفعل شيئًا عظيمًا مرة واحدة أو مرتين أو ثلاث في حياته..
لكن أن يداوم على أفعال العبادة كل يوم كل يوم..
بلا كلل ولا ملل ولا كسل..
فإن هذا يحتاج إلى قلب عظيم، وإيمان كبير، وعقل متيقظ ومنتبه..
لا يقوى على ذلك إلا القليل من الرجال..

وقد كان الصديق سيد هذا القليل بعد الأنبياء

ففي الحديث عند البخاري .. عن أبي هريرة ..

"سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ فِي الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا خَيْرٌ
فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ
وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ
وَمَنْ كَانَ مَنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابَ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَانِ".
فبعض الناس يكون مكثر في الصلاة، فيدخل من باب الصلاة، وهكذا...
قال أبو بكر ... مـا على أحد يدعى من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ، وَأَرْجُو اللَّهَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ".


ذلك أن الصديق كان مكثرًا، وبصفة مستديمة من كل أعمال الخير..

ومر بنا من قبل كيف أنه أصبح صائمًا ومتبعًا لجنازة وعائدًا لمريض ومتصدقًا على مسكين؟

هكذا حياته كلها لا قعود، ولا فتور..

وكان يتحرج جدًا من فوات فضيلة أو نافلة..

روى أحمد عن جابر ..

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: "مَتَى تُوتِرُ؟"
قال: أول الليل بعد العتمة. أي: بعد صلاة العشاء
قال: "فَأَنْتَ يَا عُمَرُ؟"
قال:آخر الليل.
قال: "أَمَا أَنْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ فَأَخَذْتَ بِالثِّقَةِ". أي: بالحزم، والحيطة مخافة أن يفوت الوتر
"وَأَمَا أَنْتَ يَا عُمَرُ فَأَخَذْتَ بِالْقُوَّةِ"


أي: بالعزيمة على الاستيقاظ قبل طلوع الفجر؛ لصلاة قيام الليل، ثم الوتر..

فالصديق لا يتخيل أن يفوته الوتر، ماذا يحدث لو استيقظ على صلاة الفجر دون أن يصلي الوتر؟
في حقه تكون كارثة..
لذلك يأخذ نفسه بالحزم يصليه أول الليل..
ثم إذا شاء الله له أن يستيقظ، ويصلي قيام الليل صلى، ولا يعيد الوتر..
بينما عمر بن الخطاب كان يأخذ بالعزيمة..
فهو يعلم علم اليقين أنه سيستيقظ الفجر ليصلي..

منهجان مختلفان، ولكنهما من أروع مناهج الصحابة ...

ومع حرصه، وطاعته، ومثابرته، وثباته على أمر الدين..
كان شديد التواضع..
لا ينظر إلى عمله، بل كان دائم الاستقلال له..

وكان يقول: والله، لوددت أني كنت هذه الشجرة تؤكل وتعضد.

وروى الحاكم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال..

دخل أبو بكر الصديق حائطًا (حديقة) وإذا بطائر في ظل شجرة، فتنفس أبو بكر الصعداء، ثم قال: طوبى لك يا طير، تأكل من الشجر، وتستظل بالشجر، وتصير إلى غير حساب، يا ليت أبا بكر مثلك.

وكان يقول إذا مُدح: اللهم أنت أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيرًا مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون.



  رد مع اقتباس
[ 11-19-2014 ]   رقم المشاركة 15

 

 

الصورة الرمزية mohamadamin

تاريخ التسجيل: Feb 2009

رقم العضوية: 2643

المشاركات: 513

الدولة/المدينة: عمان- مرج الحمام

الارتفاع عن سطح البحر: 900 - 1000 متر

شكراً: 95
تم شكره 194 مرة في 113 مشاركة

افتراضي رد: ثمــرات .. من حياة الأربعة .. !

ثبات أبي بكر أمام فتنة الموت

الموت فتنة عظيمة..
والفراق ألمه شديد..
وكم من البشر يسقطون في هذه الفتنة..
إلا أن الصديق كان كما عودنا ...رابط الجأش... مطمئن القلب..
ثابت القدم أمام كل العوارض التي مرت به في حياته..

فقد ماتت زوجته الحبيبة القريبة إلى قلبه أم رومان ..
والدة السيدة عائشة .. وعبد الرحمن بن أبي بكر ...
ماتت في سنة 6 هـ في المدينة..
بعد رحلة طويلة مع الصديق في طريق الإيمان..
أسلمت قديمًا وعاصرت كل مواقف الشدة والتعب، والإنفاق، والإجهاد، والهجرة، والنصرة، والجهاد، والنزال..
كانت خير المعين لزوجها الصديق ..
ثم ماتت، وفارقت..
وفراق الأحبة أليم، لكن صبر الصديق صبرًا جميلًا، وحمد واسترجع...

ومات كثير من أصحابه وأحبابه ومقربيه..
مات حمزة بن عبد المطلب...
ومات مصعب بن عمير..
ومات أسعد بن زرارة..
ومات سعد بن معاذ..
ومات جعفر بن أبي طالب..
ومات زيد بن حارثة..
وغيرهم كثير ... ماتوا وسبقوا إلى جنة عرضها السماوات والأرض ..
فانتظر الصديق صابرًا غير مبدل..

(مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)

وجاءت فتنة كبيرة..
فتنة موته هو شخصيًا ...
ونام على فراش لا بد من النوم عليه..
نام على فراش الموت..

فماذا فعل وهو في لحظاته الأخيرة؟

ماذا فعل وهو يعلم أنه سيغادر الدنيا وما فيها؟

ماذا فعل وهو سيترك الأهل والأحباب والأصحاب؟

هل جزع أو اهتز؟

حاشا لله..

ها هو على فراش الموت يوصي عمر بن الخطاب ..
في ثبات، وثقة، واطمئنان..

اتق الله يا عمر، واعلم أن لله عملًا بالنهار لا يقبله بالليل، وعملًا بالليل لا يقبله بالنهار..

يحذره من التسويف..
وتأجيل الأعمال الصالحة..
ويحفزه على السبق الذي كان سمتًا دائمًا للصديق في حياته...

ثم قال له ..

وأنه لا يقبل نافلة حتى تؤدي فريضة...
وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة.. باتباعهم الحق في دار الدنيا، وثقله عليهم..
وحق لميزان يوضع فيه الحق غدًا أن يكون ثقيلًا..
وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة، باتباعهم الباطل في دار الدنيا وخفته عليهم..
وحق لميزان يوضع فيه الباطل غدًا أن يكون خفيفًا..
وإن الله تعالى ذكر أهل الجنة بأحسن أعمالهم وتجاوز عن سيئه..
فإذا ذكرتهم قلتَ: إني أخاف ألا ألحق بهم.
وإن الله تعالى ذكر أهل النار بأسوأ أعمالهم، ورد عليهم أحسنه..
فإذا ذكرتهم قلتَ: إني لأرجو أن لا أكون مع هؤلاء.
ليكون العبد راغبًا راهبًا لا يتمنى على الله..
ولا يقنط من رحمة الله..
فإن أنت حفظت وصيتي ...فلا يك غائب أحب إليك من الموت ولست تعجزه...


انظر إلى صدق الوصية..
وحرص الصديق أن يصل إلى بكل المعاني التي كانت في قلبه إلى عمر بن الخطاب ..
الخليفة الذي سيتبعه في خلافة هذه الأمة..
ثم انظر إلى هذا الموقف العجيب...
وهو ما يزال على فراش الموت..

إذ استقبل المثنى بن حارثة قائد جيوش المسلمين آنذاك في العراق..
وكان قد جاءه يطلب المدد لحرب الفرس..
فإذا بالصديق الثابت لا تلهيه مصيبة موته..
ولا تصده آلام المرض..
وإذا بعقله ما زال واعيًا متنبهًا..
وإذا بقلبه ما زال مؤمنًا نقيًا..
وإذا بعزيمته، وبأسه وشجاعته كأحسن ما تكون..

أسرع يطلب عمر بن الخطاب الخليفة الجديد، يأمره وينصحه ويعلمه، قال:

اسمع يا عمر ما أقول لك، ثم اعمل به..
إني لأرجو أن أموت من يومي هذا.
فإن أنا مت فلا تمسين حتى تندب الناس مع المثنى..
ولا تشغلنكم مصيبة، وإن عظمت عن أمر دينكم، ووصية ربكم..
وقد رأيتني مُتَوَفّى رسول الله وما صنعت، ولم يُصَب الخلق بمثله..
وإن فتح الله على أمراء الشام..
فاردد أصحاب خالد إلى العراق (كان خالد قد انتقل بجيشه من العراق إلى الشام)..
فإنهم أهله وولاة أمره وحده.. وهم أهل الضراوة بهم والجراءة عليهم.


أرأيت كيف يكون الصديق وهو في هذه اللحظات الأخيرة؟

لم ينس الجهاد..
ولم يشغل عن استنفار المسلمين..!

ما زال حتى آخر لحظة يعلم ويربي ويوجه وينصح؟
هذا هو الصديق الذي عرفناه.

ودخلت عليه ابنته أم المؤمنين عائشة ..
وهو في آخر اللحظات، ونفسه تحشرج في صدره، فآلمها ذلك، فتمثلت هذا البيت من الشعر:

لَعَمْرُكَ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنِ الْفَتَى - إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ

أي لا يغني المال عن الإنسان إذا جاء لحظة الوفاة..
فخشي الصديق أن تكون قالت ما قالت ضجرًا، أو اعتراضًا..

تقول عائشة رضي الله عنها، فنظر إلى كالغضبان، ثم قال في لطف: ليس كذلك يا أم المؤمنين..
لكن قول الله أصدق.. (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بِالحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ)


هكذا ما زال يربي ويعلم..

ثم جاءوا لهم بأثواب جديدة كي يكفن فيها فردها..
وأمر أن يكفن في أثواب قديمة له بعد أن تعطر بالزعفران، وقال:

إن الحي أحوج إلى الجديد ليصون به نفسه، إنما يصير الميت إلى الصديد وإلى البلى...

هكذا بهذا الثبات العظيم..
وأوصى أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس..
وأن يدفن بجوار رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..

وكان آخر ما تكلم به الصديق في هذه الدنيا قول الله تعالى..

(تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)

غير أنه مع كل ما سبق من فتن عرضت للصديق في حياته إلى لحظة موته..
فإن كل هذه الفتن تهون، وتضعف، وتتضاءل أمام الفتنة العظمى، والبلية الكبرى..
والمصيبة القصوى التي لحقت به وبالمسلمين..
لما مات ثمرة فؤاد الصديق، وخير البشر، وسيد الأنبياء والمرسلين..
وحبيب الله..
لما مات النور المبين الذي أضاء الأرض بنبوته، وعلمه، وخلقه، ورحمته..
لما مات رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.
أعظم فتنة مرت بالصديق ..
وأعظم فتنة مرت بالصحابة ..

وكان من فضل الله على الصديق أنه مَنّ عليه بثبات يوازي المصيبة..
وبوضوح رؤية يقابل الفتنة..
وبنفاذ بصيرة يكشف البلوى، وينير الطريق للصديق ولمن معه من المسلمين...

ثبات أبي بكر الصديق أمام فتنة الرئاسة والمنصب

فتنة الرئاسة فتنة عظيمة.. وابتلاء كبير..
وكثير من الناس يعيش حياة التواضع..
فإذا صعد على منبر الحكم تغير، وتبدل، وتكبر..

وانظر إلى الحسن البصري يقول في كلمة عظيمة له: وآخر ما يُنزع من قلوب الصالحين، حب الرئاسة...

أما الصديق ....
إنه قد نزع منه حب الرئاسة منذ البداية..
وكان يعيش قدرًا معينًا من التواضع قبل الخلافة..
وهذا القدر تضاعف أضعافًا مضاعفة بعد الخلافة، ولعلنا لا نبالغ إن قلنا..
إن أعظم خلفاء الأرض تواضعًا بعد الأنبياء كان الصديق ..

والله لقد فعل أشياء يحار العقل كيف لبشر أن يتواضع إلى هذه الدرجة؟

ولولا اليقين في بشريته لكانت شبيهة بأفعال الملائكة..

وهو قد سمع قوله (صلى الله عليه وسلم) ..

"مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِي أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ لَا يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ لَهُمْ إِلَّا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الْجَنَّةَ"

والصديق جهد للمسلمين ونصح للمسلمين كأفضل ما يكون الجهد والنصح..
ولذا فهو ليس فقط يدخل الجنة معهم، بل يسبقهم إليها..

فكيف يتكبر الصديق..
وهو الذي كان حريصًا طيلة حياته على نفي كل مظاهر الكبر، والخيلاء من شخصيته..
وكان يتحرى ذلك حتى في ظاهره..

ولما قال (صلى الله عليه وسلم) .. "مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"

وقعت الكلمات في قلب أبي بكر..
وتحركت النفس المتواضعة تطمئن على تواضعها..
أسرع الصديق إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)...

وقال .. يا رسول الله، إن إزاري يسترخي إلا أن تعاهده...

ونشعر أنه قالها، وهو يرتجف..

ويخشى من حكم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)...

لكنه (صلى الله عليه وسلم) أثلج صدره وطمأنه..

ووضح له متى يكون استرخاء الإزار منهيًا عنه، قال: "إِنَّكَ لَسْتَ مِمَّنْ يَفْعَلُهُ خُيَلَاءَ" !

شهادة من سيد الخلق، وممن لا ينطق عن الهوى..
إن الصديق لا يفعل ذلك خيلاء..
وكان من الممكن أن يقول له إنك لست متعمدًا للإسبال..
لكنه (صلى الله عليه وسلم) يخرج من كل هذا إلى الحقيقة المجردة..
وهو تواضع الصديق رضي الله عنه...

موقف آخر ..
هو موقف عجيب من مواقف الخليفة الرئيس أبي بكر الصديق ...
إذ كان يقيم بالسنح على مقربة من المدينة..
فتعود أن يحلب للضعفاء أغنامهم كرمًا منه.. وذلك أيام النبي (صلى الله عليه وسلم)..

وكان هو الوزير الأول له (صلى الله عليه وسلم) آنذاك ..

فسمع جارية تقول بعد مبايعته بالخلافة: اليوم لا تحلب لنا منائح دارنا..

فسمعها الصديق فقال: بلى، لعمري لأحلبنها لكم..

فكان يحلبها..

موقف آخر أغرب..

كان عمر بن الخطاب يتعهد عجوزًا كبيرة عمياء في بعض حواش المدينة من الليل..
فيسقي لها، ويقوم بأمرها..
فكان إذا جاءها وجد غيره قد سبقه إليها، فأصلح لها ما أرادت..
فجاءها غير مرة كيلا يسبق إليها، فرصده عمر..
فإذا هو بأبي بكر الذي يأتيها... وهو يومئذ خليفة ..

فقال عمر: أنت هو لعمري.

وكان من الممكن أن يكلف رجلا للقيام بذلك...
لكنه الصديق، يشعر بالمسئولية تجاه كل فرد من أفراد الأمة..
كما أنه قد آثر أن يخدمها بنفسه..
يربي نفسه على التواضع لله عز وجل..
ويربي نفسه على ألا يتكبر حتى على العجوز الكبيرة العمياء...

وفي موقف آخر ..
أخرج البيهقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ...

أن أبا بكر قام يوم الجمعة فقال:

إذا كان بالغداة فاحضروا صدقات الإبل نقسم، ولا يدخل علينا أحد إلا بإذن..

صدقات الإبل كانت قد جاءت كثيرة إلى أبي بكر ...
فوضعوها في مكان..
وسيدخل في اليوم التالي أبو بكر، وعمر ..
ليقسما هذه الصدقات..
و أبو بكر يحذر الناس..

فقالت امرأة لزوجها: خذ هذا الحظام لعل الله يرزقنا جملًا.

فأتى الرجل فوجد أبا بكر وعمر قد دخلا إلى الإبل..
فدخل معهما..
و هنا الرجل ارتكب مخالفة واضحة لخليفة البلاد..
ودخل عليه بغير إذن..
مع كونه نبه على ذلك..

فالتفت إليه أبو بكر فقال: ما أدخلك علينا؟

ثم أخذ منه الحظام، فضربه..

فلما فرغ أبو بكر من قسمة الإبل دعا الرجل، فأعطاه الحظام.. وقال: استقد..

أي: اقتص مني، كما ضربتك اضربني... سبحان الله..!

فقال عمر ...والله لا يستقيد، لا تجعلها سنة.

يعني كلما أخطأ خليفة في حق واحد من الرعية..
قام المظلوم بضرب الأمير فتضيع هيبته..

فقال الصديق : فمن لي من الله يوم القيامة؟

فقال عمر: أَرْضِهِ.

فأمر أبو بكر غلامه أن يأتيه براحلة..
ورحلها وقطيفة (أي كساء)، وخمسة دنانير، فأرضاه بها.

هذا خليفة البلاد..
وقد ضرب أحد رعاياه ضربة واحدة فقط..
لكنه يريد أن يُضْرب مكان هذا السوط الذي ضرب..
حتى يقف أمام الله عز وجل يوم القيامة خالصًا، ليس لأحد عنده شيء.

وفي موقف آخر ..
اقرأ وصيته إلى جيوشه، وهي تخرج لحرب الروم، في بعث أسامة بن زيد..
ثم بعد ذلك إلى فتح فارس، ثم إلى فتح الروم..
كان يوصيها بوصايا عجيبة، وكأنه يوصي بأصدقاء، وليس بأعداء..
كان يوصيهم بالرحمة حتى في حربهم كان مما قال لهم:

لا تخونوا
ولا تغلوا
ولا تغدروا
ولا تُمثّلوا
ولا تقطعوا شجرة مثمرة
ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرًا إلا لمأكلة
وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم، وما فرغوا أنفسهم له...


وتأمل معي يا أخي... أيوصي بأحباب أم يوصي بأعداء؟!

والله ما عرف التاريخ مثل حضارة الإسلام..
ورقي الإسلام..
ونور الإسلام..
ولكن أكثر الناس لا يعلمون..

أين هذا من حروب الشرق والغرب؟

وأين هذا من حروب غير المسلمين؟

فالمسلمون قد علّموا غيرهم الرحمة في كل شيء ...حتى في الحروب.



  رد مع اقتباس
[ 11-19-2014 ]   رقم المشاركة 16

 

 

الصورة الرمزية mohamadamin

تاريخ التسجيل: Feb 2009

رقم العضوية: 2643

المشاركات: 513

الدولة/المدينة: عمان- مرج الحمام

الارتفاع عن سطح البحر: 900 - 1000 متر

شكراً: 95
تم شكره 194 مرة في 113 مشاركة

افتراضي رد: ثمــرات .. من حياة الأربعة .. !

ثبات أبي بكر أمام فتنة الأولاد

المرء قد يقبل أن يضحي تضحيات كثيرة...
إذا كان الأمر يخصه هو شخصيًا..
لكن إذا ارتبط الأمر بأولاده، فإنه قد يتردد كثيرًا..

فغالبًا ما يحب الرجل أولاده أكثر من نفسه..
كما أن ضعف الأولاد، ورقتهم، واعتمادهم على الأبوين..
يعطي مسوغات قد يظنها الرجل شرعية للتخلف عن الجهاد بالنفس والمال..

واقرأ قول الله عز وجل

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)

روى الترمذي..

أن رجلًا سأل ابن عباس رضي الله عنهما عن هذه الآية ..
قال: هؤلاء رجال أسلموا من أهل مكة..
وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم..
فأبى أزواجهم، وأولادهم أن يدعوهم أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم..
فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك..
رأوا الناس قد فقهوا في الدين، هموا أن يعاقبوهم (أي يعاقبوا أولادهم)..
فأنزل الله هذه الآية .....


والآية التالية مباشرة لهذه الآية في سورة التغابن تقول..

(إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)

هكذا بهذا التصريح، التقرير الواضح: إنما أموالكم وأولادكم فتنة..
فأين أبو بكر الصديق من هذه الآيات؟

القضية كانت في منتهى الوضوح في نظر الصديق..
وأوراقه كانت مرتبة تمامًا..
فالدعوة إلى الله، والجهاد في سبيله، ونصرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. مقدمة على كل شيء..

والصديق مع رقة قلبه، وعاطفته الجياشة، ومع تمام رأفته مع أولاده..
كان لا يقدم أحدًا منهم..
مهما تغيرت الظروف على دعوته، وجهاده، وما فتن بهم لحظة...
وأعلن الدعوة مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في مكة..
ودافع عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. حتى كاد أن يقتل...

ولم يفكر أنه إذا مات سوف يخلف وراءه صغارًا ضعافًا..
محتاجين في وسط الكفار المتربصين..
كان يجاهد، ويعلم أنه إذا أراد الحماية للذرية الضعيفة ..أن يتقي الله عز وجل..
وأن ينطلق بكلمة الدعوة، وكلمة الحق أيًا كانت العوائق..

(وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)

ولما هاجر الصديق مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
كان يبكي من الفرح...
لأنه سيصحبه (صلى الله عليه وسلم)..
في طريق مليء بالمخاطر..
مخلفًا وراءه ذرية في غاية الضعف..
ويعلم أن قريشًا ستهجم على بيته لا محالة.. وقد حدث..
وضرب أبو جهل لعنه الله أسماء بنت الصديق فسال الدم منها..
فما رأى الصديق كل ذلك..
كل ما رآه هو نصرة الرسول (صلى الله عليه وسلم)..
ليس هذا فقط ..
كنه حمل معه كل أمواله..
خمسة آلاف درهم حملها جميعًا لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)..

وماذا ترك لأهله؟

ترك لهم الله ورسوله..

يقين عجيب، وثبات يقرب من ثبات الأنبياء..

أبو قحافة والد الصديق كان طاعنًا في السن وقت الهجرة...
وكان قد ذهب بصره..
دخل على أولاد الصديق..
وهو على وَجَل من أن الصديق قد أخذ كل ماله، وترك أولاده هكذا..
لكن الابنة الواعية الواثقة المطمئنة بنت الصديق أسماء ..
وضعت يد الشيخ على كيس مملوء بالأحجار توهمه أنه مال.. فسكن الشيخ لذلك..!

الشيخ الكبير لن يفهم هذه التضحيات..
ولن يفهمها أحد إلا من كان على يقين يقارب يقين الصديق...
والصديق يوظف أولاده في عملية خطيرة..
عملية التمويه على الهجرة..
عملية قد تودي بحياتهم في وقت اشتاط الغضب بقريش، حتى أذهب عقلها..

عبد الله بن الصديق كان يتحسس الأخبار في مكة نهارًا..
ثم يذهب ليلًا إلى غار ثور يخبر الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأباه بما يحدث في مكة..
ويظل حارسًا على باب الغار حتى النهار..
ثم يعود أدراجه إلى مكة..!

السيدة أسماء كانت حاملًا في الشهور الأخيرة من حملها..
ومع ذلك، فكان عليها أن تحمل الطعام إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأبي بكر في غار ثور ..
سالكة طريقًا وعرًا..
وصاعدة جبلًا صعبًا..
وذلك حتى إذا رآها أحد لا يتخيل أن المرآة الحامل تحمل زادًا إلى الرسول وصاحبه..
مهمة خطيرة، وحياتها في خطر..
لكن ما أهون الحياة إن كان الله هو المطلب، وإن كانت الجنة هي السلعة المشتراة...

ومر بنا كيف تبرع أبو بكر بكل ماله في تبوك...
وما ترك شيئًا لأولاده ..
فلما سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ماذا أبقى لأهله؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله...!

ثم ها هو الصديق يقدم فلذة كبده عبد الله بن أبي بكر ..
ها هو يقدمه شهيدًا في سبيل الله..
علمه حب الجهاد، وحب الموت في سبيل الله..
فأصيب في الطائف بسهم، ولم يمت في ساعتها، بل بقى أيامًا وشهورًا..
ويقال: إنه خرج بعد ذلك إلى اليمامة في حروب المرتدين، واستشهد هناك..
الثابت أنه استشهد في خلافة الصديق ..
وكأن الله أراد أن ينوع عليه الابتلاءات حتى يُنقى تمامًا من أي خطيئة..
بل إنه قال كلمة عجيبة لما رأى قاتل ابنه عبد الله وكان قد أسلم بعد أن قتله..

قال: الحمد لله الذي أكرمه بيديك (يعني أكرمه الشهادة) ولم يُهْلِكّ بيده (أي الموت كافرًا) فإنه أوسع لكما.
سعيد لأن ابنه قد مات شهيدًا في سبيل الله.
.

وأيضًا لأن هذا الرجل لم يقتل على يد عبد الله، فكانت أمامه فرصة للإسلام، أي رجل هذا؟!

لكن إن كان لنا أن نفهم كل هذه التضحيات..

فإن له موقفًا مع ولد من أولاده يتجاوز كل حدود التضحيات المعروفة..
والمألوفة لدى عامة البشر..
الصديق في غزوة بدر يكون في فريق، فريق المؤمنين..
وابنه البكر عبد الرحمن بن أبي بكر في الفريق الآخر، فريق المشركين..
ولم يكن قد أسلم بعد..
وإذا بالصديق يبحث عن فلذة كبده، وثمرة فؤاده ... ليقتله.....!

نعم ليقتله !

وقف كفر الابن حاجزًا بين الحب الفطري له.. وبين حب الله عز وجل..
فقدم الصديق حب الله دون تردد، ولا تفكير..
وضوح الرؤية..
نعم وضوح الرؤية إلى هذه الدرجة..
لكن بفضل الله لم يوفق الصديق في أن يجد ابنه..
لأن الله مَنّ عليه بعد ذلك بالإسلام..
أسلم يوم الحديبية..

ولما أسلم قال لأبيه: لقد أهدفت لي يوم بدر، فملت عنك، ولم أقتلك.

أي رأيتك هدفًا سهلًا في بدر..
وكان عبد الرحمن بن أبي بكر من أمهر الرماة في فريق المشركين..

فقال أبو بكر في ثبات وثقة: ولكنك لو أهدفت إليّ، لم أمل عنك. !!

وسبحان الله..
وكأن الله أراد أن يشبه أبا بكر بإبراهيم عليه الصلاة والسلام أكثر وأكثر..
فقد ضرب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إبراهيم مثلًا للصديق بعد تخيير الحكم في أسارى بدر..
أراد الله أن يشبه أبا بكر بالخليل إبراهيم .... الذي ابتلي البلاء المبين بذبح ابنه..
فيبتلي الصديق كذلك بالبحث عن ابنه ليذبحه بيده، أيّ مثل رائع ضربه الصديق لهذه الأمة؟!

كيف تغلّب على هذا المعوق الخطير الذي كثيرًا ما خلف أناسًا عن السير في طريق الدعوة..
وعن السير في طريق الجهاد؟

(شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا)

لكن هذا لم يأت من فراغ، بل هو نتيجة لاتباع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
والسبق إلى الخيرات، والشعور بأهمية الدعوة، واستحقار أمر الدنيا..
وتعظيم الآخرة، كان كل ذلك وراء هذا اللون العجيب من الثبات.

فتنة ضياع النفس وثباته أمامها

النفس غالية..
وإن ذهبت النفس فلا عودة لها إلى يوم القيامة..

لكن الصديق واضح الرؤية..
وثاقب النظر..
له قواعد ثابتة تحكم حياته..

من هذه القواعد..

(قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ)

ومنها ..

(لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)

ومنها..

(إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ)

ومنها ..

(وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)

ومنها..

(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الغُرُورِ)

وإذا نظرت إلى هذه القواعد مجتمعة ..

أدركت جانبًا لا بأس به من حياة الصديق..



  رد مع اقتباس
[ 11-20-2014 ]   رقم المشاركة 17

 

 

الصورة الرمزية mohamadamin

تاريخ التسجيل: Feb 2009

رقم العضوية: 2643

المشاركات: 513

الدولة/المدينة: عمان- مرج الحمام

الارتفاع عن سطح البحر: 900 - 1000 متر

شكراً: 95
تم شكره 194 مرة في 113 مشاركة

افتراضي رد: ثمــرات .. من حياة الأربعة .. !

كيف خلص أبي بكر من حظ نفسه ؟

تروي السيدة عائشة ..

أنه لما بلغ أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قرابة الـ 40 رجلا ..
(يعني في أوائل فترة مكة) ..
ألح الصديق على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الظهور..

فلم يزل أبو بكر يلح، حتى ظهر رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
وتفرق المسلمون في نواحي المسجد، كل رجل في عشيرته...

ويبدو أن هذا لم يكن ظهورًا كاملًا للمسلمين..
لأنه من المعروف أن الظهور الكامل لم يكن إلا بعد إسلام الخطاب ..
ولما ذهبوا إلى المسجد الحرام... لم يكتف الصديق بمجرد الظهور..
فوقف خطيبًا يدعو إلى الله تعالى..
ويدعو إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
والرسول (صلى الله عليه وسلم) جالس ..!

لذا يقولون: إن الصديق أول خطيب في الإسلام...!
وذلك بعد رسول الله طبعا..

فماذا كان رد فعل المشركين؟

ثار المشركون ثورة عنيفة...
وقاموا يضربون الصديق ضربًا عنيفًا..
تنكروا لأعرافهم في الجاهلية..
ونسوا مكانة الصديق المرموقة في المجتمع المكي القديم..
وأكل الحقد قلوبهم..
وما زال بهم الحقد حتى أعمى أبصارهم..

و دنا الفاسق عتبة بن ربيعة من الصديق ..
وجعل يضربه بنعلين مخصوفين في وجهه..
حتى ما يعرف وجهه من أنفه، وذلك من شدة تورم وجهه....!

وجاء بنو تيم يتعادون..
فأجلت المشركين عن أبي بكر..
وحمله قومه في ثوب، حتى أدخلوه منزله، ولا يشكون في موته..

ثم رجعت بنو تيم إلى المسجد، وقالوا: والله لئن مات أبو بكر، لنقتلن عتبة بن ربيعة.

ثم رجعوا إلى أبي بكر، فجعلوا يكلمون أبا بكر، وهو في إغماءه طويلة..
حتى أفاق آخر النهار، فرد عليهم، فماذا قال؟

قال: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

سبحان الله ...حتى وهو في هذه الحالة بين الحياة والموت..
طبعًا بنو تيم لم يفهموا هذه العاطفة الجياشة..
كل ما فهموه هو الوضع الخطير الذي وضعهم فيه الصديق ...
وها هم قد توعدوا بقتل زعيم من زعماء قريش عتبة بن ربيعة..
ولا شك إن قتلوه ستنقسم قريش إلى أحزاب، وشيع..
وإن لم يقتلوه إذا مات الصديق، فإنهم سيخلفون وعدهم..
وهذه في عرف العرب إهانة لا تستقيم بعدها حياة..
كل هذه الأمور المتفاعلة جعلتهم يعنفون الصديق، ويلومونه، ويكيلون له الكلام، بما فيهم أبوه أبو قحافة..

ومع ذلك فالصديق له مكانة كبيرة في قلوبهم.
وا.لتفوا إلى أمه أم الخير وكانت آنذاك مشركة..

وقالوا: انظري أن تطعميه شيئًا أو تسقيه إياه.

فلما انصرفوا حاولت أمه أن تطعمه، وتسقيه، لكنه جعل يقول: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

أشبهه بالأم التي أصيبت هي وولدها في حادث فأغمى عليها ثم أفاقت..
أيكون لهم من هم إلا الاطمئنان على ولدها؟!

هكذا أحَبّ الصديق رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..أو يزيد..

قال الصديق لأمه: اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه..

وأم جميل هي أخت عمر بن الخطاب.. وكانت آنذاك مسلمة..

وأخوها مشركًا، فخرجت أم الصديق إلى أم جميل فقالت: إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله.

هنا نرى موقفًا لطيفًا من أم جميل بنت الخطاب ..
فتلك المرأة المسلمة الواعية الحذرة خشيت من أم الصديق..
فأم الصديق ما زالت مشركة..
أفتكشف نفسها وتعرفها بإسلامها هكذا؟!
وإن فعلت أتثبت له أنها تعرف المكان الذي فيه رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
والرسول يجلس مع صحابته في دار الأرقم، وقريش لا تعرف ذلك ...أفتدل هي عليه؟

هنا فكرت أم جميل بسرعة وقالت: ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله.

لكنها في نفس الوقت تعرف من هو الصديق..
فهو الرجل الثاني في الدعوة..
وقد يكون في احتياج إلى شيء هام..
ثم إنه يعلم أن أمه مشركة، ومع ذلك أرسلها إليها..

فأسرعت المرأة الحكيمة، وقالت بلباقة: إن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك؟

قالت أم الصديق: نعم

فذهبت معها حتى دخلت على أبي بكر الصديق ..
فوجدته صريعًا ملازمًا الفراش في حالة خطيرة بين الحياة والموت..

فقالت فزعة: والله إن قومًا نالوا هذا منك لأهل فسق وكفر، وإنني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم.

أعرض الصديق عن كل هذا.. وكان له همًا واحدًا قال: فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

احتارت أم جميل .. فأم الصديق واقفة..

وستعرف خبر رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فهمست إلى الصديق: هذه أمك تسمع.

قال الصديق مطمئنًا: فلا شيء عليك منها.

ويبدو أن الصديق كان يرى قربًا من أمه للإسلام، فلم يرى بأسًا من ذلك..
لأن أمه ما لبثت أن أسلمت..

قالت أم جميل رضي الله عنها: سالم صالح.

قال الصديق رضي الله عنه: أين هو؟

قالت: في دار الأرقم.

قال الصديق في إصرار وعزم: فإن لله عليّ أن لا أذوق طعامًا، ولا أشرب شرابًا، حتى آتي رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..

فانتظروا حتى جاء المساء، وهدأت الرجل بمكة، وسكن الناس..
وخرجت المرأتان بالصديق ..
لا يقوى على السير، ولكنه يتكئ عليهما..
سارا به، حتى أدخلتاه على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..

فلما رآه رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
تألم لما فيه، وأسرع إليه، وأكب عليه يُقَبّله (صلى الله عليه وسلم)..
وأكب عليه المسلمون، ورق له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رقة شديدة..

فأسرع الصديق يُطمئنه (صلى الله عليه وسلم)..

قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ليس بي بأس، إلا ما نال الفاسق من وجهي.

ثم إن الصديق ..
وهو في هذا الموقف لم ينس دعوته، ولم ينس أمه أنها ما زالت مشركة..
وها هي ترى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
وأنوار النبوة على وجهه، فتاقت نفسه إلى إسلامها..

قال: يا رسول الله، هذه أمي برة بولدها، وأنت مبارك، فادعها إلى الله، وادع الله لها، عسى الله أن يستنقذها بك من النار.

فدعا لها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
ودعاها إلى الله، فأسلمت الحمد لله ..



  رد مع اقتباس
[ 11-20-2014 ]   رقم المشاركة 18

 

 

الصورة الرمزية mohamadamin

تاريخ التسجيل: Feb 2009

رقم العضوية: 2643

المشاركات: 513

الدولة/المدينة: عمان- مرج الحمام

الارتفاع عن سطح البحر: 900 - 1000 متر

شكراً: 95
تم شكره 194 مرة في 113 مشاركة

افتراضي رد: ثمــرات .. من حياة الأربعة .. !

ثبات أبي بكر الصديق في غزوة بدر

لما بلغ النبي (صلى الله عليه وسلم) نجاة قافلة بني سفيان..
وعزم زعماء مكة على قتاله ..
استشار الصحابة في ذلك..

الموقف خطير..
الصحابة لم يخرجوا من المدينة في الأصل ليقاتلوا جيشًا.. بل مجرد قافلة..
فلم يكن معهم إلا السيوف..
فلم تكن العدة عدة قتال..
كما أن هناك أقوام في المدينة كانوا يرغبون في اللقاء..
لكن لم يعلموا أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سيقاتل..

إذًا من الممكن أن يأتي على ذهن الصحابة..
أن لو أجلنا القتال لنقوم به في ظروف أفضل، وعدد أكبر..
فرصة ضياع الحياة في هذه المعركة كبيره..
والحق أن بعض الصحابة ترددوا..

يصورهم ربنا سبحانه وتعالى في كتابه فيقول

(كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ المُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ
يُجَادِلُونَكَ فِي الحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى المَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ)


فأين كان الصديق رضي الله عنه في هذا الموقف؟

كان أول الرجال قيامًا..
يشجع النبي (صلى الله عليه وسلم) على القتال..
دائمًا يسبق الناس..
حتى ولو كان السبق لفقد الحياة..
قام الصديق فقال وأحسن..
وسُرّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..

وقام من بعده الرجال الواحد تلو الآخر، لكن، سبق بها الصديق..
ولما تقرر القتال..
أراد الرسول (صلى الله عليه وسلم).. أن يقوم بعملية استكشافية..
يستكشف فيها مواقع جيش المشركين وعدتهم..

وقام بالعملية رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بنفسه، ومن معه؟

إنه أبو بكر الصديق الصاحب الأول لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) في كل الأحداث..
مهمة خطيرة..
لكن لا أقل من الدنيا في عين الصديق..
وتبدأ المعركة، ويلتحم الجيشان، ويتصاعد الغبار..
وتسيل الدماء أنهارًا، وتتناثر الأشلاء في كل مكان، يوم الفرقان..

فأين كان الصديق رضي الله عنه؟

كان في أخطر المواقع على الإطلاق..
كان يقف بجوار النبي (صلى الله عليه وسلم)..
ولا شك أنه أخطر موقع على الإطلاق..
لأن القوم كانوا حريصين على قتله (صلى الله عليه وسلم)..

ثبات الصديق في أحد

يوم أحد يوم عظيم ...
كانت الجولة في بدايتها للمؤمنين..
ثم خالف الرماة وعصوا ...فداول الله الأيام..
ونقلها إلى قريش.. وأصبحت الغلبة للمشركين..
وفر من فر... وثبت من ثبت..

ولا شك أن الصديق كان من الثابتين رضي الله عنه، قال الله عز وجل:

(وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ
حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ
مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآَخِرَةَ
ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ}


ولا شك أيضًا أن الصديق كان ممن أراد الآخرة..

وكان الصديق أول من وصل إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم)..
واجتمع معه مجموعة من السابقين الأولين ..
ودار قتال شرس ما لانت فيه قناة الصديق.. ولا من وقف معه..
وتم إنقاذ رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
وانسحبوا في مكان آمن..

وفي اليوم التالي لأحد ..
أراد (صلى الله عليه وسلم) أن يخرج في أثر المشركين ..
حتى لا يظنوا أن المسلمين قد كسرت شوكتهم..
فانتدب المسلمين أن يخرجوا إلى مكان يعرف بـ"حمراء الأسد " ..
فقام له رجال..
لا شك أن الصديق ..

يروي الإمام مسلم أن عائشة بنت الصديق قالت لعروة بن الزبير في قوله تعالى..

(الَّذِينَ اسْتَجَابُوا للهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ القَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ)

أي الذين استجابوا في الخروج إلى حمراء الأسد... بعد القرح الذي أصابهم في أحد..

قالت السيدة عائشة: يا ابن أختي كان أبواك منهم، الزبير، وأبو بكر ..

(الزبير أبوه وأبو بكر جده، لأنه كان ابن أسماء بنت أبي بكر)..

ثبات أبي بكر في الحديبية

بعد عام واحد من الاجتياح الرهيب للمشركين لأرض المدينة المنورة..
وحصار المؤمنين في المدينة في غزوة الخندق..
والموقف العصيب الذي مر به المؤمنون..
لدرجة وصفها ربنا سبحانه وتعالى بقوله

(هُنَالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا)

بعد عام واحد من هذا التهديد المروع..
يقرر (صلى الله عليه وسلم) أن يذهب إلى العمرة في مكة بـ 1400 من الصحابة..
والآن يذهبون إليهم في عقر دارهم..
فلما علمت قريش بقدوم النبي للعمرة جمعت الجيوش.. لتصد المؤمنين عن الكعبة..
ووصل الخبر إليه (صلى الله عليه وسلم)..

فجمع الناس للشورى نذهب أو لا نذهب؟

قام بطلنا الصديق وقال: يا رسول الله، خرجت عامدًا لهذا البيت، لا تريد حربًا..
ولا قتل أحد، فتوجه له، فمن صدنا عنه قاتلناه.


وتحرك المسلمون إلى مكة، ثم كانت المفاوضات، وانتهى الأمر إلى الصلح..
ورسول الله (صلى الله عليه وسلم)...يجلس في المفاوضات أمام المشركين..

كان الصديق واقفًا وراءه بسيفه..

وفي جلسة من جلسات المفاوضات..

قال عروة بن مسعود الثقفي مخاطبًا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
محاولًا أن يلقي الهزيمة النفسية في قلبه.. وفي قلوب المؤمنين..

قال: يا محمد أجمعت أوباش الناس، ثم جئت بهم إلى بيضتك لتفضها بهم؟ إنها قريش، خرجت رجالا ونساءً، صغارًا وكبارًا، قد لبسوا جلود النمور (أي لباس الحرب)، يعاهدون الله ألا تدخلها عليهم عنوة، وايم الله، لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك.

يقصد أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
أي أنهم سيتركونه عند القتال..

وهنا لم يعط الصديق لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) الفرصة للرد..

بل انطلق في حمية وجرأة عجيبة.. يرد على المشرك..

فسبه سبة منكرة شنيعة.. ثم قال في ثبات واضح له: أنحن نفر عنه وندعه؟ أنحن نفر عنه وندعه؟

هذا فعلا هو المستحيل..
وصدق رضي الله عنه..
وصدقوا جميعًا..
فقد بايعوا فعلا على الموت..

وسبحان الله، أيّ جيل ثابت كان هذا الجيل العظيم؟



  رد مع اقتباس
[ 11-20-2014 ]   رقم المشاركة 19

 

 

الصورة الرمزية mohamadamin

تاريخ التسجيل: Feb 2009

رقم العضوية: 2643

المشاركات: 513

الدولة/المدينة: عمان- مرج الحمام

الارتفاع عن سطح البحر: 900 - 1000 متر

شكراً: 95
تم شكره 194 مرة في 113 مشاركة

افتراضي رد: ثمــرات .. من حياة الأربعة .. !

ثبات أبي بكر يوم حنين

نقفز أعوامًا أخرى لنصل إلى يوم حنين..
لا شك أن الصديق كانت له مواقف مشهودة في كل مشاهده (صلى الله عليه وسلم)..

لكن في حنين..
حيث فر كثير من المسلمين..
وحيث كانت الفتنة عظيمة..

فيظهر ثبات الصديق بجلاء ووضوح..
فقد فر المسلمون في حنين..
وتركوا الرسول (صلى الله عليه وسلم) تجابهه جموع غفيرة من هوازن..
والوقوف معه (صلى الله عليه وسلم)...في مقابل هذه الآلاف المؤلفة لا يعني إلا شيئًا واحدًا..
الموت...

لكن:

تَهُونُ الْحَيَاةُ وَكُلٌّ يَهُونُ - وَلَكِنَّ إِسْلَامَنَا لَا يَهُونْ
نُضَحِّي لَهُ بِالْعَزِيزِ الْكَرِيمِ - وَمِنْ أَجْلِهِ نَسْتَحِبُّ الْمَنُونْ


نعم..
كان الصديق يستحب المنون..
يستحب الموت ما دام في سبيل الله عز وجل..

أكاد أراه وهو يصول ويجول تحت فتنة السيوف.. وكأنه لا يراها..
لا يرى إلا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)...
يقاتل عن يمينه تارة..
وعن يساره تارة أخرى..
وأمواج البشر المشركة تتكسر على صخرته ..
فكان الثبات ثم الثبات..

(ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الكَافِرِينَ)

ثبات أبي بكر في فتنة ترك الديار والأوطان

ترك الوطن فتنة عظيمة..
فكم من الذكريات..
وكم من الأهل..
وكم من الأصحاب..
وكم من الأحباب..
ولا سيما لو كان الرجل صاحب مكانة.. وكثير المال.. كالصديق ..

فالصديق تاجر..
أوضاعه مستقرة..
وتجارته رابحة..
وها هو يترك الاستقرار والراحة..
وينطلق مهاجرًا إلى أرض مجهولة.. وأقوام غريبة..

ثم أي البلاد يترك..
يترك مكة المكرمة.. زادها الله تكريمًا وتعظيمًا وتشريفًا..
يترك البلد الحرام..
يترك البيت الحرام..
يترك أشرف بقعة في الأرض..

ففي الحديث ..

"وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ"

الصديق مع عظم تجارته واستقراره..
هاجر مرتين من هذه البقعة المشرفة إلى غيرها من بقاع الأرض..

الهجرة الأولى كانت إلى الحبشة..
وتحدثنا عنها في موقف سابق ..
وذكرنا فيها أن ابن الدغنة سيد قبيلة القارة أجاره وأعاده إلى مكة..
وكان الصديق في هذه الهجرة متجهًا إلى بلاد بعيدة عبر الصحراء والبحار..
إلى قوم لا يتكلمون العربية..
وإلى بلد لم يألف العادات المكية..
لكن الصديق هاجر ولسان حاله يقول كما قال النبي إبراهيم عليه الصلاة والسلام..
والذي جعله (صلى الله عليه وسلم).. مثلًا يحتذي به الصديق ..

(وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ)

والهجرة الثانية كانت إلى يثرب...
والتي سميت بعد ذلك بالمدينة المنورة لما نورها (صلى الله عليه وسلم) بالهجرة إليها..
وفيها برز الدور العظيم للصديق سواء في الإعداد قبل الهجرة..
أو أثناء الهجرة..
وسواء في المساعدة المادية.. أو المعنوية..
وسواء في التضحية بالنفس.. أو بالمال.. أو بالجهد.. أو بالوقت..

كان الصديق في الهجرة ثاني اثنين.. وهذا يكفيه..

هل بعد كل ما سردناه
لدى البعض شك في أهلية أبو بكر الصديق
للخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ؟



  رد مع اقتباس
[ 11-20-2014 ]   رقم المشاركة 20

 

 

الصورة الرمزية mohamadamin

تاريخ التسجيل: Feb 2009

رقم العضوية: 2643

المشاركات: 513

الدولة/المدينة: عمان- مرج الحمام

الارتفاع عن سطح البحر: 900 - 1000 متر

شكراً: 95
تم شكره 194 مرة في 113 مشاركة

افتراضي رد: ثمــرات .. من حياة الأربعة .. !

يوم السقيفة

في 12 من ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة..
اجتمع الأنصار أوسهم وخزرجهم لاختيار خليفة للمسلمين من بينهم..
اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة..
وهي الدار التي اعتادوا أن يعقدوا فيها اجتماعاتهم المهمة..

و رأى الأنصار أن الخليفة لا بد أن يكون منهم..
لاعتبارات كثيرة..
ولذلك سارعوا إلى هذا الاجتماع الطارئ...

هذا الموقف لا بد وأنه سيثير أسئلة كثيرة في الذهن..
وقد تُسأل هذه الأسئلة بحسن نية.. وذلك للمعرفة والفقه والاستفادة..
وقد تسأل بسوء نية.. للطعن والكيد والنيل من الصحابة ومن دولة الإسلام..

فيبرز من هذه الأسئلة سؤالان هامان ..
ركز المستشرقون وأتباعهم من العلمانيين..
سواء من أبناء الغرب أو الشرق.. أو من أبناء المسلمين عليهما..

سؤالان الغرض منهما الطعن في الأنصار..

وسيتبع السؤالان لا محالة أسئلة أخرى للطعن في المهاجرين، وبقية الصحابة:

السؤال الأول - كيف تحرك الأنصار لاختيار خليفة في نفس يوم وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟

أليس في قلوبهم حزن على نبيهم؟

يقول المستشرقون... إن الأنصار أرادوا الدنيا ورغبوا فيها وحرصوا عليها..
فتسارعوا إليها..
ولم يردعهم المصاب الفادح الذي ألمَّ بهم..

السؤال الثاني - لماذا أراد الأنصار الاستئثار بالخلافة دون المهاجرين..
وأسرعوا إلى سقيفة بني ساعدة لترشيح رجل منهم؟


الحقيقة قبل أن نخوض في الإجابة عن هذين السؤالين الهامين ..

نود أن نقدم تعريف للأنصار..

من هم الأنصار ؟

يبدو أن كثيرًا من المسلمين لا يدركون معنى وقيمة الأنصار..
فالأنصار طائفة من البشر اتصفت بصفات عجيبة..
ومرت بمراحل تربوية معينة..
أنتجت في النهاية جيلاً من الرجال والنساء والأطفال ..
من المستحيل أن يتكرروا في التاريخ بهذه الصورة..

الأنصار ظاهرة فريدة..
اتصفوا بصفات خاصة ظلت ملازمة لهم منذ أن أصبحوا أنصارًا..
ومرورًا بكل مواقفهم..

الأنصار نسمة رقيقة حانية هبت على دولة الإسلام الناشئة..
ففاضت من بركتها، وخيرها على الأمة..
ثم مرت النسمة... ولم تأخذ شيئًا لنفسها..

سبحان الله...
الأنصار قَدّموا وقَدّموا ولم يأخذوا شيئًا...
وكلما جاءت الفرصة ليأخذوا يجعل الله أمرًا آخر...
فيخرجون بلا شيء..
يخرجون راضين بلا سخط ولا ضجر..
وكأن الله أراد أن يدخر لهم كامل الأجر...
ولا يعجل لهم شيئًا في دنياهم..

الأنصار... وما أدراك ما الأنصار..

ففي الحديث ..

"الأَنْصَارُ لا يُحِبُّهُمْ إِلاَّ مُؤْمِنٌ، وَلا يَبْغَضُهُمْ إِلاَّ مُنَافِقٌ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ"

هذا حديث يلخص المسألة...
لا بد أن يعرف المسلمون قدر الأنصار قبل أن يخوضوا في أعراضهم..
القضية قضية إيمان ونفاق..
وقضية حب الله لعبد وبغض الله لعبد آخر...
فالحذر الحذر من أي شبهة تغير على المؤمنين قلوبهم.

وفي الحديث .. "لَوْلا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَءًا مِنَ الأَنْصَارِ"

وفي حديث آخر .."اللَّهُمَّ أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ".... قالها ثلاثًا..

وفي حديث آخر وعدهم (صلى الله عليه وسلم) .. "مَوْعِدُكُمُ الْحَوْضُ"

وغير ذلك كثير من الأحاديث في حقهم..
هذا الحب الجزيل من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) للأنصار..
ومن الأنصار لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) جعل الصحابة جميعًا يجلون الأنصار..
ويقدرون قيمتهم..

روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك قال..

خرجت مع جرير بن عبد الله البجلي في سفر فكان يخدمني, وجرير بن عبد الله هذا من أشراف قبيلة بجيلة، ومن أعلام العرب، وكان له شأن كبير في الجزيرة العربية قبل الإسلام، وفوق هذا فهو أسن، وأكبر كثيرًا من أنس بن مالك، هذا كله دفع أنس بن مالك أن يستنكر، أو يستغرب أن يخدمه جرير بنفسه، قال أنس: لا تفعل. فقال جرير: إني قد رأيت الأنصار تصنع برسول الله (صلى الله عليه وسلم) شيئًا، آليت أن لا أصحب أحدًا منهم إلا خدمته.

وأنس من الأنصار...
إذن يخدمه جرير ..
هذا التكريم والتبجيل من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)...
ومن الصحابة للأنصار لم يأت من فراغ..
وإنما أتى لنوايا صادقة، وأعمال متواصلة، وأخلاق حسنة..

ولو نظرت إلى حال الأنصار..
لوجدت صفة أساسية تمثل ركيزة في بناء الأنصاري..
تلك هي صفة الإيثار..

(وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ)

محور حياة الأنصار أنهم يؤثرون على أنفسهم..
هذا ليس وصف أصحابهم لهم..
ولا حتى وصف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لهم..
بل وصف الله الذي خلقهم..
ويعلم سرهم ونجواهم، ويعلم ظاهرهم وباطنهم، ويعلم ما تخفي الصدور...

أثبت الله لهم الإيمان..
ومحبة المهاجرين..
وسلامة الصدر..
والإيثار على الذات..
والوقاية من شح النفس..
وفي النهاية أثبت لهم الفلاح..

أيّ فضل!

وأيّ قدر!

وأيّ درجة!

وأيّ مكانة!

لا بد أن نعرف هذه الأمور قبل أن نأتي ونحلل مواقف الأنصار في سقيفة بني ساعدة..
ولا بد وأن تملك الخلفية الصحيحة لهؤلاء القوم، ولهذه الطائفة الفريدة من البشر...

اقرءوا تاريخ الأنصار، اقرءوا بيعة العقبة الثانية..
وما قدموه من تضحيات ثمينة، وجهاد عظيم، والثمن: الجنة.

اقرءوا قصة الهجرة، وتسابق الأنصار على فقرهم في استضافة المهاجرين..

نعود إلى السؤالين الذين طرحناهما بخصوص ذهاب الأنصار لاختيار خليفة من بينهم..

السؤال الأول

كيف أسرعوا إلى ذلك، ولم ينظروا إلى مصيبة وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟


يقول المستشرقون: إنهم لم يحزنوا حزنًا كافيًا؛ ولذلك ألهتهم الدنيا عن المصاب الفادح.

وللرد على هذه الشبهة نقول:

(1) المستشرقون لا يدركون هذه الخلفية التي ذكرناها عن طبيعة الأنصار..
أو لعلهم يدركونها..
ويتجاهلونها عن قصد وعمد..
رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نَزَّههم عن طلب الدنيا..
بل نزههم عن ذلك ربهم بقرآن باق إلى يوم القيامة..
فإذا تغير منهم رجل أو رجلان ...
فمن المستحيل أن يتغيروا جميعًا.. ويجتمعوا على حب الدنيا.

(2) المستشرقون لا يفقهون معنى الصبر الجميل (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلاً)
الصبر الذي لا شكوى فيه.. الصبر عند الصدمة الأولى..

(3) هل يمنع هذا الصبر من كون قلوبهم تنفطر حزنًا على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ؟
وهل هناك تعارض بين الحزن وبين العمل الصالح؟
أبدًا..
المسلم الإيجابي مهما حزن..
فإن ذلك لا يقعده عن العمل الواجب..
والحزن الذي يقعد الناس عن العمل حزن مرضي غير مرغوب فيه..
وإذا فكرنا في الموقف قليلاً..
وترى لو انتظر الأنصار يومًا أو يومين.. أو أسبوعين.
حتى تهدأ عواطف الحزن، وتعود الحياة إلى طبيعتها، ماذا ستكون النتيجة؟

ماذا لو هجم الفرس أو الروم على بلاد المسلمين؟

من يأخذ قرار الحرب من عدمه؟

من يجهز الجيوش ويعد العدة ويستنفر الناس؟

ماذا يحدث لو هجم المرتدون على المدينة...
وقبائل عبس وذبيان على بعد أميال من المدينة، وإسلامهم حديث، وردتهم متوقعة ؟!

ماذا يحدث لو هجم مسليمة الكذاب بجحافله المرتدة على المدينة؟

من يأخذ قرار الحرب ضدهم؟

ماذا لو نقض اليهود عهدهم؟

أيحاربون أم يوادعون؟

أتكون لهم شروط جديدة ويكون لهم عهد جديد؟

ثم ماذا يحدث لو أخرج المنافقون في المدينة رجلاً منهم وبايعوه على الخلافة، وبايعته قبيلته وقبائل أخرى؟

ماذا يكون رد فعل الصحابة؟

أينكرون بيعته ويحاربون وتحدث الفتنة العظمى والبلية الكبرى؟

أم يتركون منافقًا يترأسهم؟

ماذا لو اختارت كل قبيلة من القبائل المختلفة...
التي تكون دولة الإسلام الآن زعيمًا لها من أبنائها وتفرق المسلمون أحزابًا وشيعًا؟

من يجمع ومن يوحد؟

بالتفكير السليم والمنطقي والموضوعي..
نجد أن إسراع الأنصار إلى اختيار الخليفة برغم المصيبة الكبيرة لوفاته (صلى الله عليه وسلم)...
هو فضيلة تحسب للأنصار، وليس نقصًا أو عيبًا..
لقد وصلوا في إيجابيتهم إلى درجة من الصعب أن تتكرر في غيرهم من الأجيال.




  رد مع اقتباس
رد



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
الانتقال السريع إلى


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 02:32 AM.