علامات الساعة الكبرى الجزء الاول والثاني - منتديات ArabiaWeather.Com

العودة   منتديات ArabiaWeather.Com > المنتديات العامة (استراحة المنتدى) > المنتدى العام و تعارف الأعضاء > المنتدى الاسلامي

الملاحظات

المنتدى الاسلامي الموسوعة الدينية و يختص بالتعريف بالدين الأسلامي وكل ما يتعلق به

الاخبــــار

رد

[ 02-12-2016 ]   رقم المشاركة 1

 

 

الصورة الرمزية محمد فخري

تاريخ التسجيل: Aug 2015

رقم العضوية: 164428

المشاركات: 1,072

الدولة/المدينة: شمال قطاع غزة

الارتفاع عن سطح البحر: اقل من 500 متر

شكراً: 8,717
تم شكره 5,559 مرة في 1,058 مشاركة

أشراط الساعة الكبرى 1

ناصر محمد الأحمد


ملخص الخطبة

1- فوائد الكلام عن أشراط الساعة 2- ظهور مهدي أهل السنة وكيف يكون ذلك ، وذكر نسبه وأنه بخلاف المهدي الذي تزعمه الرافضة 3- الدجال وحال المسلمين عند ظهوره وشيء من أخبار فتنته وأوصافه 4- كيف يعتصم المسلم من الدجال


الخطبة الأولى







أما بعد:

كان لنا حديث قبل سنة عن أشراط الساعة الصغرى، وقد استغرق الحديث ثمان خطب، وقد وعدنا باستكمال الموضوع عن أشراط الساعة الكبرى، وها قد حان وقتها.

أيها المسلمون: إن الحديث في مثل هذه المواضيع الذي قد يكون معروفاً عند البعض أو مكرراً، له عدة فوائد:

أولاً: أن الحديث عن قضايا الغيب وما سيكون في آخر الزمان مما يزيد الايمان وإن كان معروفاً.

ثانياً: ليس بصحيح أن كل ما يقال معروف، فقد يعرف بعضنا مثلاً أن الدخان من أشراط الساعة الكبرى، لكن بعض تفاصيلها قد يجهله.

ثالثاً: ليس الهدف من طرح هذا الموضوع هو السرد فقط، لكن الأهم منه زيادة الايمان والتوحيد، والاستعداد لهذه الأحوال، والأهم ربط هذه المسائل وهذه القضايا بواقعنا، أسأل الله جل وتعالى الاعانة والتوفيق.

روى مسلم عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ قَالَ اطَّلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ فَقَالَ: ((مَا تَذَاكَرُونَ؟ قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ. قَالَ: إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ فَذَكَرَ الدُّخَانَ وَالدَّجَّالَ وَالدَّابَّةَ وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنْ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ)).

أيها الأحبة: إذا ظهرت علامة من علامات الساعة الكبرى فإن أخواتها تتبعها كتتابع الخرز في النظام يتبع بعضها بعضاً. روى الإمام أحمد بسند صحيح عن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الآيات خرزات منظومات في سلك، فإن يُقطع السلك يتبع بعضها بعضاً)).

أيها المسلمون: سيظهر في آخر الزمان وذلك بعد فشو الفساد وكثرة المنكرات واستفحال الظلم وقلة العدل رجلٌ يصلح الله على يديه أحوال هذه الأمة هذا الرجل يعرف عند أهل السنة بالمهدي، من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من ذرية فاطمة بنت رسول الله من ولد الحسن بن علي رضي الله عنهم، يؤيد الله به الدين يحكم سبع سنين، يملأ الأرض خلالها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، تنعم الأمة في عهده نعمة عظيمة، تُخرج الأرض نباتها، وتُمطر السماء قطرها، ويُعطى المال بغير عدد. قال ابن كثير رحمه الله: في زمانه تكون الثمار كثيرة والزروع غزيرة والمال وافر والسلطان قاهر والدين قائم والعدو راغم والخير في أيامه دائم.

يخرج مهدي أهل السنة من قبل المشرق، وعند خروجه لايكون لوحده، بل يؤيده الله بأناس من أهل المشرق يحملون معه الدين ويجاهدون في سبيله كما ورد بذلك الحديث، ووقت خروجه، عندما يقتتل ثلاثة من أولاد الخلفاء على كنز الكعبة كلهم يريد الاستيلاء عليها ولا يكون لواحد منهم معاقبة من الله على نقيض قصدهم فيخرج على الناس فيبايع عند الكعبة. عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة، ثم لايصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق، فيقتلونكم قتلاً لم يُقتله قوم)) – قال ثوبان: ثم ذكر شيئاً لا أحفظه – فقال: ((فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج)) رواه ابن ماجه. ولماذا الراية التي يحملها المهدي سوداء اللون؟ قال ابن كثير: ويؤيد بناس من أهل المشرق ينصرونه ويقيمون سلطانه ويشيدون أركانه وتكون راياتهم سود أيضاً، وهو زيّ عليه الوقار لأن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت سوداء يقال لها العقاب. انتهى. روى الحاكم في مستدركه بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يخرج في آخر أمتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتُخرج الأرض نباتها، ويُعطي المال صحاحاً – أي تسوية بين الناس – وتكثر الماشية، وتعظم الأمة، يعيش سبعاً أو ثمانياً)). وفي رواية: ((ثم لا خير في الحياة بعده)). وهذا يدل على أن بعد موت المهدي يظهر الشر والفتن العظيمة مرة أخرى. وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً)) رواه الإمام أحمد بسند صحيح. قال الامام عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى: أمر المهدي معلوم، والأحاديث فيه مستفيضة بل متواترة متعاضدة وقد حكى غير واحد من أهل العلم تواترها، وتواترها تواتر معنوي لكثرة طرقها واختلاف مخارجها وصحابتها ورواتها وألفاظها، فهي بحق تدل على أن هذا الشخص الموعود به أمره ثابت وخروجه حق، وهو محمد بن عبدالله العلوي الحسني من ذرية الحسن بن علي رضي الله عنهم، وهذا الإمام من رحمة الله عز وجل بالأمة في آخر الزمان يخرج فيقيم العدل والحق ويمنع الظلم والجور وينشر الله به لواء الخير على الأمة عدلاً وهدايةً وتوفيقاً وإرشاداً للناس. انتهى.

أيها الأحبة: والرافضة يزعمون أن لهم مهدياً ينتظرونه، وهو آخر أئمتهم وهو الامام الثاني عشر المدعو محمد بن الحسن العسكري، وهو عندهم من ولد الحسين بن علي لا من ولد الحسن، ويعتقدون أنه دخل سرداب سامراء منذ أكثر من ألف سنة ولما دخل كان عمره خمس سنوات وهو يعيش هناك ولم يمت وسوف يخرج في آخر الزمان، ويعتقدون أنه حاضر في الأمصار غائب عن الأبصار، وكلامهم هذا لم يقم عليه دليل ولا برهان ولا عقل ولا نظر، وهو مخالف لسنة الله في البشر، فأنبياء الله ورسله الذين هم أفضل الخلق عند الله توفاهم الله وهم أحوج ما تكون لهم البشرية، ومهدي الرافضة ما زال حياً منذ ألف سنة، ثم ما الداعي لغيبته واختفائه طوال هذه المدة وهو حي فلماذا لم يخرج ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وواقع الأمة اليوم أحوج ما تكون له قال ابن كثير رحمه الله: ويكون ظهوره من بلاد المشرق – يعني مهدي أهل السنة - لامن سرداب سامرا، كما يزعمه جهلة الرافضة من أنه موجود فيه الآن وهم ينتظرون خروجه في آخر الزمان فإن هذا نوع من الهذيان، وقسط كبير من الخذلان، شديد من الشيطان، إذ لا دليل على ذلك ولا برهان، لامن كتاب ولا سنة ولا معقول صحيح ولا استحسان.

أيها الأحبة: هناك رجال من الحكام ادعوا المهدية، لا أنه المهدي بل تفاؤلاً بأن يكون من الأئمة المهديين الذين يقولون بالحق وبه يعدلون، منهم المهدي أحد خلفاء دولة بني العباس. وهناك رجال زنادقة ادعوا المهدية على أنهم المهدي الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم منهم الملحد عبيدالله بن ميمون القداح عاش في القرن الثالث الهجري، كان جده يهودياً، انتسب زوراً إلى بين النبوة وادعى أنه المهدي، وحكم وتغلّب واستفحل أمره واستولت ذريته على بلاد المغرب ومصر والحجاز والشام واشتدت غربة الاسلام، وكانوا يدعون الألوهية، وهم ملوك الرافضة القرامطة الباطنية أعداء الدين تستروا بالرفض والانتساب كذباً لأهل البيت ودانوا بدين الالحاد ولم يزل أمرهم ظاهراً إلى أن أنقذ الله الأمة منهم بصلاح الدين الأيوبي، فأبادهم وأراح الناس من شرهم.

أيها المسلمون: من علامات الساعة الكبرى الدجال وما أدراكم ما الدجال منبع الكفر والضلال وينبوع الفتن والأوجال، ما من نبي إلا وحذر أمته الدجال بالنعوت الظاهرة وبالأوصاف الباهرة، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكثر تحذيراً لأمته منه فأوضح للناس صفاته وأعماله حتى لاتخفى على ذي بصر.

أيها الأحبة: ليس هناك فتنة ستمر على البشرية عبر تاريخها أعظم من فتنة الدجال، قال صلى الله عليه وسلم: ((ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال))، وفي رواية: ((أمر أكبر من الدجال)) رواه مسلم.

فتسأل وتقول لماذا؟ الجواب: لأن الدجال رجل من بني آدم، واحد من بني البشر لكن الله جل وتعالى يعطيه بعض القدرات والتي لم يعطها لأحد من خلقه ولا أيضاً أحد رسله وأنبيائه، فلهذا يُفتن الناس به وتكون فتنته عظيمة من ذلك أنه يقتل ثم يحي من قتله، يأمر السماء أن تمطر فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت، ويأتي للأرض القاحلة الجرداء ويأمرها أن تخرج كنوزها، فتخرج، وأموراً أخرى عجيبة يفعلها كاستجابة الجماد والحيوان لأمره فيسحر الناس ويتبعونه، ومن تبعه وفتن به فهو الخاسر الهالك والله والمستعان.

فربما تسأل ثانية وتقول ولماذا يعطي الله عز وجل هذا الرجل هذه القدرات وهذه الصفات؟ فالجواب: أن الله جل وتعالى لايُسأل عما يفعل هذا أولاً، ثم إن العلماء رحمهم الله تعالى ومنهم الخطابي ذكروا حِكماً في ذلك منها أنها اختبار وامتحان للناس، وأنها على سبيل الفتنة للعباد، فأسأل الله تعالى أن يعصمني وإياكم من كل فتنة.

أيها الأحبة: وقبل خروج الدجال يكون للمسلمين شأن كبير وقوة عظيمة ثم يحصل صلح بين المسلمون والروم، ويغزون جميعاً عدواً مشتركاً، فينتصرون عليه ثم تثور الحرب بين المسلمين والصليبيين وتحصل بينهم ملحمة عظيمة، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث هول هذه المعركة وكيف يكون صبر المسلمين فيها، ثم يكون لهم النصر على أعدائهم، ويحصل فتح القسطنطينية، فتغنم غنائمها وبينما المسلمون يقتسمون الغنائم إذ جاءهم الصريخ بأن الدجال قد خرج. والذي يزيد من فتنة الدجال أن الله جل وعز يبتلي هذه الأمة قبيل خروجه بقحط وبلاء شديد، فعندما يظهر ويأتي بالخوارق ويدعي الألوهية يصدقه الناس ويفتنون به. عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((وَإِنَّ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ شِدَادٍ يُصِيبُ النَّاسَ فِيهَا جُوعٌ شَدِيدٌ، يَأْمُرُ اللَّهُ السَّمَاءَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى أَنْ تَحْبِسَ ثُلُثَ مَطَرِهَا وَيَأْمُرُ الْأَرْضَ فَتَحْبِسُ ثُلُثَ نَبَاتِهَا، ثُمَّ يَأْمُرُ السَّمَاءَ فِي الثَّانِيَةِ فَتَحْبِسُ ثُلُثَيْ مَطَرِهَا، وَيَأْمُرُ الْأَرْضَ فَتَحْبِسُ ثُلُثَيْ نَبَاتِهَا، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ السَّمَاءَ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ فَتَحْبِسُ مَطَرَهَا كُلَّهُ فَلَا تُقْطِرُ قَطْرَةً، وَيَأْمُرُ الْأَرْضَ فَتَحْبِسُ نَبَاتَهَا كُلَّهُ فَلَا تُنْبِتُ خَضْرَاءَ، فَلَا تَبْقَى ذَاتُ ظِلْفٍ إِلَّا هَلَكَتْ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ قِيلَ فَمَا يُعِيشُ النَّاسُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ قَالَ: التَّهْلِيلُ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّحْمِيدُ، وَيُجْرَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ مُجْرَى الطَّعَامِ)) رواه ابن ماجة وابن خزيمة والحاكم بسند صحيح.

أيها المسلمون: لقد وصف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال بصفات دقيقة محددة فقال عنه أنه رجل جسيم، أحمر، جعد الرأس، قصير القامة، أقرب الناس به شبهاً عبدالعزى بن قطن من خزاعة، عقيم لا يولد له، أعور العين، ولقد ركز المصطفى صلى الله عليه وسلم على وصف عيني الدجال، وركز على عوره في غير ما حديث، لأن الدجال مهما تخلص من شئ من صفاته فإنه لايستطيع أن يتخلص من عينيه، فالعينان ظاهرتان بارزتان لكل أحد. قال ابن حجر: "لكون العور أثر محسوس يدركه العالم والعامي ومن لا يهتدي إلى الأدلة العقلية"[1] عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما بعث نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، وأن بين عينيه مكتوب كافر)) رواه البخاري. وهذه صفة أخرى للدجال وهو أن الله تعالى مع ما أعطاه من قدرات إلا أنه فضحه بهذه الكتابة التي بين عينيه والتي لا يملك إزالتها، وسيقرأها كل مسلم أراد الله عصمته من الدجال وإن كان أمياً لايقرأ ولا يكتب. قال النووي رحمه الله: "إن هذه الكتابة على ظاهرها وأنها كتابة حقيقية جعلها الله آية وعلامة من جملة العلامات القاطعة بكفره وكذبه وإبطاله، ويظهرها الله تعالى لكل مسلم كاتب وغير كاتب، ويخفيها عمن أراد شقاوته وفتنته ولا امتناع في ذلك"[2].

أيها المسلمون: إن مما يذهل عقول الناس فتنةً بهذا الرجل ما يعطيه الله من أمور منها: أنه يجول أقطار الأرض ويعطى سرعة فائقة في التنقل والتحرك فلا يترك بلداً إلا دخله إلا مكة والمدينة يقف على أنقابهما الملائكة يمنعانه من الدخول، وقد حمى الله تعالى مكة والمدينة من الدجال والطاعون ووكل حفظهما إلى ملائكته، فبعدما يمنع من الدخول كما قال صلى الله عليه وسلم: ((ينزل بالسبخة، فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، يخرج إليه منها كل كافر ومنافق)). وهذا يدل على وجود الكفار في المدينة في ذلك الوقت. قيل يا رسول الله: ((فأين العرب يومئذٍ؟ قال: هم يومئذٍ قليل)).

وعندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن سرعة تنقل الدجال قال: ((كالغيث استدبرته الريح)) رواه مسلم.

وأيضاً مما يفتن به الدجال الخلق أن معه ما يشبه الجنة والنار، وواقع الأمر ليس كما يبدو للناس فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي يرونه ناراً إنما هو ماء بارد، وأن الذي يرونه ماءً بارداً إنما هو نار. وهذا يدل على أن الناس لايدركون ما مع الدجال حقيقة من شدة الفتنة وأن ما يرونه لايمثل الحقيقة بل يخالفها.

أيها الأحبة: إن الشيطان قد وجد مبتغاه في الدجال، ولذا فهو يعينه ويتعاون معه لكن على الشر، لإضلال الناس زيادةً، ومن المعلوم أن الشياطين لاتخدم إلا من كان في غاية الإفك والضلال. روى ابن ماجة بسند صحيح عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وإن من فتنته أن يقول للأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك، أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم، فيتمثل له الشيطان في صورة أبيه وأمه، فيقولان: يا بني اتبعه، فإنه ربك)).

أسأل الله تعالى أن يعصمني وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

أقول قولي هذا. . .






[1] فتح الباري 13/96

[2] شرح النووي على مسلم 18/60



الخطبة الثانية





أما بعد:

وأما عن مكان خروج الدجال، فإنه أول ما يخرج كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم من المشرق من أرض خراسان من بلد أصبهان ومن حارةٍ يقال لها - اليهودية -، لكن ظهور أمره للمسلمين يكون عندما يصل إلى مكان بين العراق والشام، وعندما يظهر أمره فسيكون اليهود هم أول الناس فرحاً به، رغبة منهم في السيطرة على العالم عن طريقه. روى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة)). والطيلسان ثوب يلبس على الكتف يحيط بالبدن خال من التفصيل والخياطة. وأيضاً يتبعه كثير من الأعراب لأن الجهل هو الغالب عليهم، وكذلك النساء فحالهنّ أشد من حال الأعراب، وذلك لسرعة تأثرهنّ وقلة عقلهنّ. ففي الحديث عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنها قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَنْزِلُ الدَّجَّالُ فِي هَذِهِ السَّبَخَةِ بِمَرِّقَنَاةَ فَيَكُونُ أَكْثَرَ مَنْ يَخْرُجُ إِلَيْهِ النِّسَاءُ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَرْجِعُ إِلَى حَمِيمِهِ وَإِلَى أُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ فَيُوثِقُهَا رِبَاطًا مَخَافَةَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْه)). رواه الإمام أحمد بسند صحيح.

سأل الصحابة رضي الله عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المدة التي يمكثها الدجال في الأرض إذا خرج فقالوا: وَمَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ قَالَ: ((أَرْبَعُونَ يَوْمًا يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ قَالَ: لا. اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ)) رواه مسلم. وهذا يدل على أن اليوم يطول حقيقة حتى يصبح اليوم الأول كسنة حقيقةً، واليوم الثاني كشهر، واليوم الثالث كأسبوع، وبقية الأربعين كأيامنا العادية وأولَ ما فكر فيه الصحابة في خضم هذه الفتنة الصلاة، يوم مفزع ومخيف وطويل ينسى فيه المرء أهله وأولاده بل حتى نفسه والصحابة أولَ ما يهمهم أمر الصلاة. ((يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ قَالَ لَا اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ)).

أيها المسلمون: وقد قدّر الله لهذه الفتنة مدة ثم تنتهي بقتل الدجال ويكون هلاكه على يد عيسى بن مريم عليه السلام عندما ينزل في آخر الزمان إلى الأرض، وقد عمّت الفتنة فيُنزل الله عيسى عليه السلام كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في الخبر الصحيح عنه أنه ينزل على المنارة الشرقية بدمشق[1]، فيلتف حوله المؤمنون فيسير بهم قاصداً الدجال، ويكون الدجال وقت نزول عيسى عليه السلام متوجهاً نحو بيت المقدس معه جيوش اليهود فيلتقيان هناك، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فيقتله عيسى عليه السلام بحربة في يده ويريق دمه، فينهزم أتباعه، فيتبعهم المؤمنون، فيقتلونهم حتى يقول الشجر والحجر يا مسلم يا عبدالله هذا يهودي خلفي تعال فاقتله إلا الغرقد، فإنه من شجر اليهود.

وبقتله لعنه الله تنتهي هذه الفتنة العظيمة والتي يهلك ويسقط فيها كثير من هذه الأمة.

أيها المسلمون: وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى ما يعصمها من فتنة الدجال، أولها الفرار منه وعدم إتيانه، ولو كان المرء واثقاً من نفسه فإنه لا يدري. عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من سمع بالدجال فلينأ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن، فيتبعه مما يبعث به من الشبهات)) رواه مسلم. وسيعصم الله أقواماً بفرارهم إلى الجبال، ففي صحيح مسلم عن أم شريك قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليفرنّ الناس من الدجال في الجبال)).

ومما يعصم المسلم من الدجال أن يلجأ إلى أحد الحرمين مكة أو المدينة، فإن الدجال محرم عليه دخولهما.

ومما يعصم من الدجال ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من قراءة فواتح سورة الكهف وفي بعض الروايات خواتيمها، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْف عُصِمَ مِنْ الدَّجَّالِ)) رواه مسلم. قال بعض أهل العلم والحكمة في ذلك والله أعلم هو أن الله أخبر في طليعة هذه السورة أن الله أمّن أولئك الفتية من الجبار الطاغية الذي كان يريد اهلاكهم، فناسب أن من قرأ هذه الآيات وحاله كحالهم أن ينجيه الله كما أنجاهم، وما ذلك على الله بعزيز.

ومما يعصم من الدجال التعوذ من فتنة الدجال وخاصة في الصلاة كما ورد بذلك الحديث الذي رواه الامام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ)).

أيها الأحبة: إذا خرج الدجال فإن الناس سيفتنون به مع ما ورد من تحذيرات وتنبيهات من النبي صلى الله عليه وسلم ومع ما سمعوا عنه، والسبب هو قلة ورقة الدين والايمان في قلوبهم، إن واقع الناس التي نشاهدها اليوم، والله إنه لايبشر بخير، ولو أتاهم ما هو أقل من الدجال بكثير لفتنهم وأفسد عليهم دينهم وأخلاقهم، يا أخي أنظر في حال الناس اليوم وما يهويهم وما يفتنهم. لو فتح محل جديد في البلد لبيع أي شئ وليكن تمراً فما أن يتسامع الناس به إلا رأيت من له حاجة ومن لا حاجة له طوابير على هذا المحل، الناس اليوم فتنهم الإعلام، وفتنهم المناظر، وفتنهم المجمعات التجارية، وفتنهم السياحة والسفر، وفتنهم أمور تافهة، تتعجب من بعض أصحاب العقول والمكانة أن ينساق وراءها فما بالكم بالدجال، الذي لم تمر ولن تمر على البشرية أعظم من فتنته، إذا كان دين الناس اليوم، ومقدار الايمان في قلوب الناس اليوم وما يعرفون من أحكام الشرع لم يعصمهم من هذه الفتن البسيطة في هذه الفترة، فكيف بذلك الوقت الذي تكون فيه الفتنة أعظم والدين والايمان أقل.

نسأل الله تعالى السلامة والعافية.



[1] قال المنبر: الصواب أن تقول على المنارة البيضاء شرقي دمشق كما في الحديث في مسلم (( إذ بعث الله المسيح ابن مريم عليه السلام فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق)).


الجزء الثاني





أشراط الساعة الكبرى 2

ناصر محمد الأحمد

ملخص الخطبة

1- نزول المسيح ابن مريم وصفة نزوله وأدلة ذلك وقتله للدجال 2- ما يقوم به المسيح عليه السلام بعد قتله للدجال 3- حال الناس والأرض أيام المسيح عيسى بن مريم عليه السلام 4- الحكمة من اختيار عيسى عليه السلام دون غيره من الأنبياء للقضاء على الدجال 5- يأجوج ومأجوج صفتهم ووقت خروجهم وكيف يقضى عليهم

الخطبة الأولى





أما بعد:

بدأنا في الجمعة الماضية الحديث عن أشراط الساعة الكبرى، وانتهينا من الحديث عن المهدي والدجال.

وأيضاً من أشراط الساعة الكبرى: نزول عيسى بن مريم عليه السلام في آخر الزمان. زعم اليهود أنهم قتلوا عيسى عليه السلام فصدّق النصارى هذه الدعوى ثم اتخذوه ديناً وعقيدةً، فعلقوا الصليب فأبطل القرآن زعمهم هذا وأنه لم يقتل بل رفعه الله إلى السماء، ورفعه إلى السماء كان ببدنه وروحه، وألقى جل وعلا الشبه على غيره قال الله تعالى: وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم الا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً ثم أشار الله تعالى إلى أنه سينزل في آخر الزمان فيبقى ما شاء الله له أن يبقى ثم يتوفاه الله فقال جل شأنه: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته، ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا . هذا بالنسبة للقرآن، وأما في خبر النبي صلى الله عليه وسلم فقد ذكر المصطفى عليه السلام أموراً تفصيلية وذلك أن الله جل وعز يجعل من نزول عيسى عليه السلام رحمة بالأمة وتفريج لكربتها وذلك أنه عندما تشتد فتنة الدجال ويضيق الأمر بالمؤمنين في ذلك الزمان ينزل الله عبده ورسوله عيسى عليه السلام ويكون نزوله عند المنارة البيضاء شرقي دمشق كما ورد بذلك الخبر عليه مهرودتان – أي ثوبين مصبوغين بورس ثم زعفران – واضعاً كفيه على أجنحة ملكين. قال ابن كثير: وليس بدمشق منارة تعرف بالشرقية سوى التي إلى جانب الجامع الأموي بدمشق من شرقيه[1].

وهو رجل مربوع القامة ليس بالطويل ولا بالقصير يميل إلى الحمرة والبياض، جعد الجسم، عريض الصدر، سبط الشعر كأن رأسه يقطر ولم يصبه بلل، أقرب الناس به شبهاً عروة بن مسعود الثقفي. ويكون نزوله على الطائفة المنصورة التي تقاتل على الحق ويكونون في حال إعداد لحرب الدجال، فيحين وقت الصلاة، وتكون صلاة الفجر فيصطف المقاتلون المسلمون ليصلوا، فينزل عيسى ويعرفه الإمام فيرجع، ويطلب منه أن يتقدمهم ويؤمهم، فيأبى فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول له: تقدم فصلّ فإنها لك أقيمت، فيصلي بهم إمامهم ويصلي عيسى عليه السلام خلفه، وهذا فخر لهذه الأمة وأي فخر أن يصلي نبيّ خلف رجل صالح من هذه الأمة، وأول عمل يقوم به عيسى عليه السلام هو مواجهة الدجال، فبعد نزوله يتوجه إلى بيت المقدس حيث يكون الدجال محاصراً للمسلمين فيأمرهم عيسى بفتح الباب فإذا انصرف قال عيسى: افتحوا الباب فيفتحون ويكون الدجال وراءه، معه سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلى وساج، فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء، وينطلق هارباً فيتبعه عيسى عليه السلام فيدركه عند باب لد الشرقي كما في الحديث فيقتله، ويريهم دمه في حربته، فيهزم الله اليهود.

والسر في ذوبان الدجال إذا رأى عيسى عليه السلام هو أن الله أعطى لنَفَسِ عيسى رائحة خاصة إذا وجدها الكافر مات ففي صحيح مسلم عن النواس بن سمعان عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل قال فيه: ((فلا يحل لكافر يجد ريح نَفَسه إلا مات)). ولو تركه عيسى لمات لوحده من رائحة النَفَس، لكن عيسى لا يتركه يموت لوحده بل يقتله بيده لإنهاء أسطورة هذا المخلوق وفتنته، فإن الناس إذا شاهدوا قتله وموته استيقنوا أنه عبد ضعيف مغلوب على أمره، وأن دعواه كانت زوراً وكذباً.

وبعد إهلاك الله للدجال على يد عيسى عليه السلام، يشاء من هو على كل شئ قدير، الذي له الحكمة البالغة ولا يُسأل جل وتعالى عما يفعل أن يخرج يأجوج ومأجوج، ولنا معهم حديث مستقل، لكن من مهام عيسى عليه السلام بنزوله إلى الأرض القضاء أيضاً على فتنة يأجوج ومأجوج، وبعدها يتفرغ عليه السلام للمهمة الكبرى التي أنزل من أجلها، وهي تحكيم شريعة الله الاسلام وإخضاع الناس لشريعة رب العالمين والقضاء على المبادئ الضالة والأديان المنحرفة والتي نخرت بجسد الأمة ردحاً من الزمن، روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم بن مريم حكماً عدلاً، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الحرب)) – وفي رواية عند مسلم: ((وليضعن الجزية – ويفيض المال حتى لايقبله أحد حتى تكون السجدة الواحدة خيراً من الدنيا وما فيها)) فكسره عليه السلام للصليب دليل على علو النصرانية المحرفة في ذلك الوقت وانتشارها، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام)). وأما عن وضع الجزية فليس معناه كما قد يتبادر للذهن لأول وهلة أنه أسقط الجزية عن أهل الكتاب أو أنه قد تغيّر شيئاً في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، لكن معناه أنه لايقبل من اليهود والنصارى الجزية فإما الاسلام وإما القتل. قال ابن كثير رحمه الله: وفي سنة إحدى وأربعين وسبعمائة جدد المسلمون منارة من حجارة بيض وكان بناؤها من أموال النصارى الذي حرقوا المنارة التي كانت مكانها، ولعل هذا يكون من دلائل النبوة الظاهرة حيث قيض الله بناء هذه المنارة من أموال النصارى لينزل عيسى بن مريم عليها، فيقتل الخنزير ويكسر الصليب، ولا يقبل منهم جزية، ولكن من أسلم وإلا قتل وكذلك غيرهم من الكفار.

أيها المسلمون: ويبقى عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم بعد نزوله أربعين سنة يحكم فيها بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ويكون من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لاينزل بشرع جديد، لأن دين الاسلام خاتم الأديان باقٍ إلى قيام الساعة لاينسخ، فيكون عيسى عليه السلام حاكماً من حكام هذه الأمة ومجدداً لأمر الإسلام، ولا يكون نزوله على أنه نبيّ، فلا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وحيث قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي)). بل يقيم الإسلام في الناس ويصلي إلى الكعبة ويحج ويعتمر.

أيها المسلمون: ويُنعم الله فيها على البشرية وقت حكم عيسى عليه السلام برخاء وأمن وسلام عجيب لم يمر البشرية بمثلها، اسمع لهذا الحديث العجيب قال صلى الله عليه وسلم: ((فيكون عيسى ابن مريم فى أمتى حكماً عدلاً، وإماماً مقسطاً يدق الصليب ويذبح الخنزير، ويضع الجزية، ويترك الصدقة، فلا يسعى على شاة ولا بعير، وترفع الشحناء والتباغض، وتُنزَع حُمَةُ كلِّ ذات حمة، حتى يُدخل الوليد يده فى الحية، فلا تضره، وتضر الوليدة الأسد فلا يضرها، ويكون الذئب فى الغنم كأنه كلبها، وتملأ الارض من السلم كما يملأ الإناء من الماء، وتكون الكلمة واحدة، فلا يعبد إلا الله، وتضع الحرب أوزارها، وتسلب قريش ملكها، وتكون الأرض كفاثور الفضة، تنبت نباتها بعهد آدم حتى يجتمع النفر على القطف من العنب فيشبعهم، ويجتمع النفر على الرمانه فتشبعهم، ويكون الثور بكذا وكذا من المال، ويكون الفرس بالدريهمات)). قال النووي رحمه الله: فيزهد الناس في الإبل ولا يرغب في اقتنائها أحد لكثرة الأموال وقلة الآمال وعدم الحاجة والعلم بقرب قيام الساعة. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((طوبى لعيش بعد المسيح يؤذن للسماء فى القطر، ويؤذن للأرض فى النبات حتى لو بذرت حبك على الصفا لنبت. وحتى يمر الرجل على الأسد فلا يضره، ويطأ على الحية فلا تضره. ولا تشاحّ، ولا تحاسد ولا تباغض)). وعند الامام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((فيهلك الله في زمانه – أي في زمان عيسى عليه السلام - المسيح الدجال وتقع الأمنة على الأرض حتى ترتع الأسود مع الإبل، والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم)).

أيها المحب: ولعلك تتسائل، عن اختيار عيسى عليه السلام دون غيره من الأنبياء لينزل إلى الأرض؟ الجواب: هو أن العلماء تلمسوا بعض الحكم في ذلك: منها: إبطال زعم اليهود بقتله، فينزله الله تعالى في آخر الزمان فيقتلهم ويقتل رئيسهم الدجال. ومنها: إبطال كذب النصارى في أنه صُلب فينزله الله تعالى في آخر الزمان، فيكسر صليب النصارى ويقتل الخنزير، ليتبين عدم صحة هذه الديانة التي تكتسح البشرية اليوم، وأنها ديانة باطلة محرفة لايقبلها الله ومن مات عليها كان من أهل النار، من مات على النصرانية فهو من أهل النار، قال الله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الضَّالُّونَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوْ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ .

ومن الحكم: أن عيسى مخلوق من البشر وهو ما يزال حياً، وليس لمخلوق من التراب أن يموت ويدفن في غيرها، فعند دنو أجله ينزله الله تعالى ليدفن في الأرض. وهناك حكم أخرى والله أعلم بالصواب.

قال الامام عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى: قد تظاهرت الأدلة من الكتاب والسنة على أن عيسى بن مريم عبدالله عليه الصلاة والسلام رفع إلى السماء بجسده الشريف وروحه، وأنه لم يمت ولم يقتل، ولم يصلب، وأنه ينزل آخر الزمان فيقتل الدجال ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام وثبت أن ذلك النزول من أشراط الساعة. انتهى[2].

فنسأل الله تعالى العصمة من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

أقول قولي هذا وأستغفر الله. . .


[1] لم نجد في الأحاديث التي بين أيدينا أن الشرق جاء وصفاً للمنارة ، وإنما جاء وصفاً لدمشق ، فالمسيح ينزل في شرق دمشق عند المنارة البيضاء. انظر الروايات في ذلك كما أوردها العلامة الألباني في كتابه تخرج أحاديث فضائل الشام الشام ودمشق للربعي ص56-59. فريق المنبر.

[2] مجموع فتاوى الشيخ 1/433



الخطبة الثانية





أما بعد:

ومن أشراط الساعة الكبرى والتي قد سبق الإشارة إليها خروج يأجوج ومأجوج. ويأجوج ومأجوج أمتان كثيرتا العدد لايحصيهم إلا الله وهما من ذرية آدم عليه السلام رجال أقوياء لاطاقة لأحد بقتالهم جاء في وصفهم أنهم صغار العيون عراض الوجوه شهب الشعور. وهم موجودون الآن، والذي يمنع من خروجهم ذلك السد الذي يحبسهم، السد الذي أقامه الملك الصالح ذو القرنين ليحجز بين يأجوج ومأجوج، القوم المفسدون وبين الناس، ولا يُعرف مكان هذا السد بالتحديد لكنه جهة المشرق لقوله تعالى: حتى إذا بلغ مطلع الشمس فإذا جاء الوقت المعلوم واقتربت الساعة اندك السد وخرج هؤلاء بسرعة عظيمة وجمع غفير كبير لايقف أمامهم أحد من البشر فماجوا في الناس وعاثوا في الأرض فساداً، وهذا علامةٌ على قرب النفخ في الصور وخراب الدنيا وقيام الساعة. وقد اختار الله أن يكون خروجهم بعد نزول عيسى عليه الاسلام وقتله للدجال. قص الله علينا خبرهم في سورة الكهف، وذلك أن ذا القرنين في تطوافه في الأرض بلغ السدين فوجد من دونهما قوماً لايكادون يفقهون قولا، فاشتكوا له الضرر الذي يلحق بهم من يأجوج ومأجوج وطلبوا منه أن يقيم بينهم وبين هؤلاء سداً يمنع عنهم فسادهم فاستجاب لطلبهم حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا قَالَ مَا مَكَّنَنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا .

أخبر الله تعالى أن السد الذي أقامه ذو القرنين مانعهم من الخروج فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا وأخبر أن ذلك مستمر إلى آخر الزمان عندما يأتي وعد الله ويأذن لهم بالخروج وعند ذلك يُدك السد ويخرجون على الناس فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا وعند ذلك يخرجون أفواجاً أفواجاً كموج البحر (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا ). أيها المسلمون: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن في زمنه فتح من السد مقدار حلقة صغيرة، ففي البخاري عن زينب بنت جحش رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوماً فزعاً وهو يقول: ((لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بأصبعيه: الإبهام والتي تليها، قالت زينب: فقلت يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث)). ومنذ ذلك اليوم وهم يحفرون كل يوم ليخرجوا فإذا انتهى اليوم وذهبوا رجعوا في الغد أعاده الله تعالى كأشد ما كان، وهكذا حتى إذا بلغوا مدتهم وأراد الله تعالى أن يخرجهم على الناس اندك السد وخرجوا.

أيها الأحبة: يبتلي الله جل وتعالى هذه الأمة في آخر الزمان بهؤلاء البشر، وليسوا كالبشر في فعالهم يأكلون الأخضر واليابس يمر أوائلهم على بحيرة طبرية وهي بحيرة كبيرة في فلسطين، ماؤها عذب، فيشربون ماءها كلها، وعندما يصل أواخرهم للبحيرة يقولون: لقد كان بهذه مرة ماء. ويغشون الأرض كله فيعيثون فساداً فينحاز المسلمون عنهم إلى مدائنهم وحصونهم تفادياً لشرهم ومعهم مواشيهم حتى إذا لم يبق من الناس إلا أحد في حصن أو مدينة يقول قائلهم: هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا منهم بقي أهل السماء، قال: ثم يهز أحدهم حربته ثم يرمي بها إلى السماء فترجع مخضبة دماً، للبلاء والفتنة، فيذهب الناس إلى عيسى عليه السلام لعله يخلصهم منهم فلا يملك إلا الدعاء فيدعو الله تعالى فيبعث الله عليهم النغف في رقابهم، وهو الدود الذي يكون في أنوف الإبل والغنم فيهلكهم الله بهذا الدود موتة نفس واحدة في الحال، فيصبحون موتى لايُسمع لهم حس فيقول المسلمون: ألا رجل يشري نفسه فيخرج لينظر ما فعل هذا العدو فيتجرد واحداً منهم محتسباً فيخرج وهو جازم أنه مقتول، فينزل فيجدهم موتى بعضهم على بعض فينادي: يامعشر المسلمين: ألا أبشروا فإن الله قد كفاكم عدوكم فيخرجون من مدنهم وحصونهم ويسرّحون مواشيهم فما يكون لها رعيٌ إلا لحوم هؤلاء الموتى، ولا يبقى في الأرض شبر إلا وأصابه من نتنهم وجيفهم، فيدعو عيسى عليه السلام مرة أخرى فيرسل الله طيراً كأعناق البخت تحملهم وتقذف بأجسامهم في البحر ثم يرسل الله مطراً فيغسل الأرض ما أصابها منهم حتى يتركها كالمرآة.

قال الإمام عبدالعزيز بن باز رحمه الله: يأجوج ومأجوج من بني آدم ويخرجون في آخر الزمان وهم في جهة الشرق، وكان الترك منهم فتُركوا دون السد، وبقي يأجوج ومأجوج وراء السد والأتراك كانوا خارج السد. ويأجوج ومأجوج من الشعوب الشرقية – الشرق الأقصى – وهم يخرجون في آخر الزمان من الصين الشعبية وما حولها بعد خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام لأنهم تُركوا هناك حين بنى ذو القرنين السد وصاروا من ورائه من الداخل وصار الأتراك والتتر من الخارج، والله جل وعلا إذا شاء خروجهم على الناس خرجوا من محلهم وانتشروا في الأرض وعثوا فيها فساداً ثم يرسل الله عليهم نَغفاً في رقابهم، فيموتون موتة نفس واحدة في الحال كما صحت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتحصن منهم نبي الله عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم والمسلمون لأن خروجهم في وقت عيسى بعد خروج الدجال. انتهى[1].




[1] مجموع فتاوى الشيخ 5/357



نقلا عن موقع زاد الداعي
كونوا معنا غدا انشالله في الجزئين الثالث والرابع (الاخير)




  رد مع اقتباس
رد


أدوات الموضوع
طرق مشاهدة الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
الانتقال السريع إلى


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 03:24 PM.