حفنة تمر من ذكريات الماضي - منتديات ArabiaWeather.Com

العودة   منتديات ArabiaWeather.Com > المنتديات العامة (استراحة المنتدى) > المنتدى العام و تعارف الأعضاء > منتدى الأدب و الشعر و اللغة العربية

الملاحظات

منتدى الأدب و الشعر و اللغة العربية يختص بطرح مواضيع الأدب و الشعر العربي و اللغة العربية بكافة فروعها

الاخبــــار

رد

[ 07-24-2009 ]   رقم المشاركة 1

 

 

الصورة الرمزية موســى

تاريخ التسجيل: May 2008

رقم العضوية: 11

المشاركات: 6,053

الدولة/المدينة: jerusalem

الارتفاع عن سطح البحر: 750 متر

شكراً: 0
تم شكره 13 مرة في 12 مشاركة

السلام عليكم
احببت ان اقدم لكم هذا النص الذي تعلمته في اللغة العربية في الصف الثاني العشر وعندما درسته ازعجني كثيرا لانه زخم ولكنه قصة شيقة للطيب صالح رحمه الله ها هو النص :


حفنة تمر – الطيب صالح

لابدّ إنني كنت صغيراً جداً حينذاك. لست أذكر كم كان عمري تماماً، ولكنني أذكر أن الناس حين كانوا يرونني مع جدي كانوا يربتون على رأسي، ويقرصونني في خدي، ولم يكونوا يفعلون ذلك مع جدي. العجيب أنني لم أكن أخرج أبداً مع أبي، ولكن جدي كان يأخذني معه حيثما ذهب، إلا في الصباح حين كنت أذهب إلى المسجد، لحفظ القرآن.

المسجد والنهر والحقل، هذه كانت معالم حياتنا. أغلب أندادي كانوا يتبرمون بالمسجد وحفظ القرآن ولكنني كنت أحب الذهاب إلى المسجد. لابد أن السبب أنني كنت سريع الحفظ، وكان الشيخ يطلب مني دائماً أن أقف وأقرأ سورة الرحمن، كلما جاءنا زائر. وكان الزوار يربتون على خدي ورأسي، تماماً كما كانوا يفعلون حين يرونني مع جدي.

نعم كنت أحب المسجد. وكنت أيضاً أحب النهر. حالما نفرغ من قراءتنا وقت الضحى، كنت أرمي لوحي الخشبي، وأجري كالجن إلى أمي، والتهم إفطاري بسرعة شديدة واجري إلى النهر وأغمس نفسي فيه. وحين أكلُّ من السباحة، كنت أجلس على الحافة وأتأمل الشاطئ الذي ينحني في الشرق ويختبئ وراء غابة كثيفة من شجر الطلع. كنت أحب ذلك. كنت أسرح بخيالي وأتصور قبيلة من العمالقة يعيشون وراء تلك الغابة … قوم طوال فحال لهم لحى بيضاء وأنوف حادة مثل أنف جدي. أنف جدي كان كبيراً حاداً. قبل أن يجيب جدي على أسئلتي الكثيرة، كان دائماً يحك طرف أنفه بسبابته.

ولحية جدي كانت غزيرة ناعمة بيضاء كالقطن. لم أرَ في حياتي بياضاً أنصع ولا أجمل من بياض لحية جدي. ولابد أن جدي كان فارع الطول، إذ أنني لم أرَ أحداً في سائر البلد يكلم جدي إلا وهو يتطلع إليه من أسفل، ولم أرَ جدي يدخل بيتاً إلا وكان ينحني انحناءة كبيرة تذكرني بانحناء النهر وراء غابة الطلح. كان جدي طويلاً ونحيلاً وكنت أحبه وأتخيل نفسي، حين استوي رجلاً أذرع الأرض مثله في خطوات واسعة.

وأظن جدي كان يؤثرني دون بقية أحفاده. ولست ألومه، فأولاد أعمامي كانوا أغبياء وكنت أنا طفلاً ذكياً. هكذا قالوا لي. كنت أعرف متى يريدني جدي أن أضحك ومتى يريدني أن اسكت، وكنت أتذكر مواعيد صلاته، فاحضر له ((المصلاة)) وأملأ له الإبريق قبل أن يطلب ذلك مني. كان يلذ له في ساعات راحته أن يستمع إليّ أقرأ له من القرآن بصوت منغم، وكنت أعرف من وجه جدي أنه أيضاً كان يطرب له. سألته ذات يوم عن جارنا مسعود.

قلت لجدي: (أظنك لا تحب جارنا مسعود؟) فأجاب بعد أن حك طرف أنفه بسبابته: (لأنه رجل خامل وأنا لا أحب الرجل الخامل). قلت له: (وما الرجل الخامل؟) فأطرق جدي برهة ثم قال لي: (انظر إلى هذا الحقل الواسع. ألا تراه يمتد من طرف الصحراء إلى حافة النيل مائة فدان؟ هذا النخل الكثير هل تراه؟ وهذا الشجر؟ سنط وطلح وسيال. كل هذا كان حلالاً بارداً لمسعود، ورثه عن أبيه).

وانتهزت الصمت الذي نزل على جدي، فحولت نظري عن لحيته وأدرته في الأرض الواسعة التي حددها لي بكلماته. (لست أبالي مَن يملك هذا النخل ولا ذلك الشجر ولا هذه الأرض السوداء المشققة. كل ما أعرفه أنها مسرح أحلامي ومرتع ساعات فراغي). بدأ جدي يواصل الحديث: (نعم يا بنيّ. كانت كلها قبل أربعين عاماً ملكاً لمسعود. ثلثاها الآن لي أنا). كانت هذه حقيقة مثيرة بالنسبة لي، فقد كنت أحسب الأرض ملكاً لجدي منذ خلق الله الأرض. (ولم أكن أملك فداناً واحداً حين وطئت قدماي هذا البلد. وكان مسعود يملك كل هذا الخير. ولكن الحال انقلب الآن، وأظنني قبل أن يتوفاني الله سأشتري الثلث الباقي أيضاً). لست أدري لماذا أحسست بخوف من كلمات جدي. وشعرت بالعطف على جارنا مسعود.

ليت جدي لا يفعل! وتذكرت غناء مسعود وصوته الجميل وضحكته القوية التي تشبه صوت الماء المدلوق. جدي لم يكن يضحك أبداً. وسألت جدي لماذا باع مسعود أرضه؟ (النساء). وشعرت من نطق جدي للكلمة أن (النساء) شيء فظيع. (مسعود يا بنيَّ رجل مزواج كل مرة تزوج امرأة باع لي فدناً أو فدانين).

وبسرعة حسبت في ذهني أن مسعود لابد أن تزوج تسعين امرأة، وتذكرت زوجاته الثلاث وحاله المبهدل وحمارته العرجاء وسرجه المكسور وجلبابه الممزق الأيدي.
وكدت أتخلص من الذكرى التي جاشت في خاطري، لولا أنني رأيت الرجل قادماً نحونا، فنظرت إلى جدي ونظر إليّ. وقال مسعود: ((سنحصد التمر اليوم، ألا تريد أن تحضر؟)) وأحسست أنه لا يريد جدي أن يحضر بالفعل. ولكن جدي هب واقفاً، ورأيت عينه تلمع برهة ببريق شديد، وشدني من يدي وذهبنا إلى حصاد تمر مسعود. وجاء أجد لجدي بمقعد عليه فروة ثور. جلس جدي وظللت أنا واقفاً.
كانوا خلقاً كثيراً. كنت أعرفهم كلهم، ولكنني لسبب ما أخذت أراقب مسعوداً. كان واقفاً بعيداً عن ذلك الحشد كأن الأمر لا يعنيه، مع أن النخيل الذي يحصد كان نخله هو، وأحياناً يلفت نظره صوت سبيطة ضخمة من التمر وهي تهوي من علٍ. ومرة صاح بالصبي الذي استوى فوق قمة النخلة، وأخذ يقطع السبيط بمنجله الطويل الحاد: ((حاذر لا تقطع قلب النخلة)).
ولم ينتبه أحد لما قال، واستمر الصبي الجالس فوق قمة النخلة يعمل منجله في العرجون بسرعة ونشاط، وأخذ السبط يهوي كشيء ينزل من السماء. ولكنني أنا أخذت أفكر في قول مسعود: ((قلب النخلة)) وتصورت النخلة شيئاً يحس له قلب ينبض. وتذكرت قول مسعود لي مرة حين رآني أعبث بجريد نخلة صغيرة: ((النخل يا بنيّ كالادميين يفرح ويتألم)).
وشعرت بحياء داخلي لم أجد له سبباً. ولما نظرت مرة أخرى إلى الساحة الممتدة أمامي رأيت رفاقي الأطفال يموجون كالنمل تحت جذوع النخل يجمعون التمر ويأكلون أكثره. واجتمع التمر أكواماً عالية. ثم رأيت قوماً أقبلوا وأخذوا يكيلونه بمكاييل ويصبونه في أكياس. وعددت منها ثلاثين كيساً. وانفض الجمع عدا حسين التاجر وموسى صاحب الحقل المجاور لحقلنا من الشرق، ورجلين غريبين لم أرَهما من قبل. وسمعت صفيراً خافتاً، فالتفت فإذا جدي قد نام، ونظرت فإذا مسعود لم يغير وقفته ولكنه وضع عوداً من القصب في فمه وأخذ يمضغه مثل شخص شبع من الأكل وبقيت في فمه لقمة واحدة لا يدري ماذا يفعل بها.
وفجأة استيقظ جدي وهب واقفاً ومشى نحو أكياس التمر وتبعه حسين التاجر وموسى صاحب الحقل المجاور لحقلنا والرجلان الغريبان. وسرت أنا وراء جدي ونظرت إلى مسعود فرأيته يدلف نحونا ببطء شديد كرجل يريد أن يرجع ولكن قدميه تزيد أن تسير إلى أمام.

وتحلقوا كلهم حول أكياس التمر وأخذوا يفحصونه وبعضهم أخذ منه حبة أو حبتين فأكلها. وأعطاني جدي قبضة من التمر فأخذت أمضغه. ورأيت مسعوداً يملأ راحته من التمر ويقربه من أنفه ويشمه طويلاً ثم يعيده إلى مكانه. ورأيتهم يتقاسمونه.

حسين التاجر أخذ عشرة أكياس، والرجلان الغريبان كل منهما أخذ خمسة أكياس. وموسى صاحب الحقل المجاور لحقلنا من ناحية الشرق أخذ خمسة أكياس، وجدي أخذ خمسة أكياس. ولم أفهم شيئاً.

ونظرت إلى مسعود فرأيته زائغ العينين تجري عيناه شمالاً ويميناً كأنهما فأران صغيران تاها عن حجرهما. وقال جدي لمسعود: ما زلت مديناً لي بخمسين جنيها نتحدث عنها فيما بعد، ونادى حسين صبيانه فجاؤوا بالحمير، والرجلان الغريبان جاءا بخمسة جمال. ووضعت أكياس التمر على الحمير والجمال. ونهق أحد الحمير وأخذ الجمل يرغي ويصيح. وشعرت بنفسي أقترب من مسعود. وشعرت بيدي تمتد إليه كأني أردت أن ألمس طرف ثوبه.

وسمعته يحدث صوتاً في حلقه مثل شخير الحمل حين يذبح. ولست أدري السبب، ولكنني أحسست بألم حاد في صدري. وعدوت مبتعداً. وشعرت أنني أكره جدي في تلك اللحظة. وأسرعت العدو كأنني أحمل في داخل صدري سراً أود أن أتخلص منه. ووصلت إلى حافة النهر قريباً من منحناه وراء غابة الطلح. ولست أعرف السبب، ولكنني أدخلت إصبعي في حلقي وتقيأت التمر الذي أكلت.
الكاتب: الطيب صالح




  رد مع اقتباس
[ 07-24-2009 ]   رقم المشاركة 2

 

 

الصورة الرمزية yasminah

تاريخ التسجيل: Jul 2008

رقم العضوية: 103

المشاركات: 1,196

الدولة/المدينة: عمان/طريق المطار

الارتفاع عن سطح البحر: 933 متر

شكراً: 210
تم شكره 445 مرة في 70 مشاركة

افتراضي رد: حفنة تمر من ذكريات الماضي

الطيب صالح " عبقري الرواية العربية " في كل نص اقراه له اكون مستعدة لان اقرأه مرات ومرات من غير كلل او ملل .. وفي كل مرة اكتشف غاية جديدة للكاتب من وراء نصه .
شكرا لك اخي موسى .. اتحفتنا بنص قصة للطيب صالح الذي رحل عنا مؤخرا ولكن ستبقى كلماته لاجيال متعاقبة مهما اختلفت الازمنة والامكنة تحكي قصة انسان .
تحياتي لك




  رد مع اقتباس
[ 07-24-2009 ]   رقم المشاركة 3

 

 

الصورة الرمزية موســى

تاريخ التسجيل: May 2008

رقم العضوية: 11

المشاركات: 6,053

الدولة/المدينة: jerusalem

الارتفاع عن سطح البحر: 750 متر

شكراً: 0
تم شكره 13 مرة في 12 مشاركة

افتراضي رد: حفنة تمر من ذكريات الماضي

العفو اخت ياسمينة الحقيقة اني مررت على خبر وفاته قبل فترة زمنية وتذكرت هذذه القصة واليوم فتحت موقع العربية وقرات خبر عن ندوة للطيب صالح فتذكرت مرة اخرى تلك القصة واحببت ان اعرضها في المنتدى وخاصة اني احببت معلم اللغة العربية وكان نفسه معلم التربية الاسلامية وحصلت على علامات مرتفعة بهذه المواد بفضل هدا المعلم
تحياتي




  رد مع اقتباس
[ 07-24-2009 ]   رقم المشاركة 4

 محلل نماذج جوية

 

الصورة الرمزية H2O

تاريخ التسجيل: Feb 2009

رقم العضوية: 2329

المشاركات: 8,788

الدولة/المدينة: السلط / الأردن

الارتفاع عن سطح البحر: 1000-1100 متر

شكراً: 1,722
تم شكره 6,439 مرة في 1,468 مشاركة

افتراضي رد: حفنة تمر من ذكريات الماضي

قصة رائعة جدا ، لقد درستها في التوجيهي و كانت من النصوص الجميلة و لي معها ذكريات لا تنسى ، شكرا لك أخي




نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
  رد مع اقتباس
[ 07-25-2009 ]   رقم المشاركة 5

مراسل طقس العرب في عقربا-نابلس

 

 

الصورة الرمزية عقرباوي

تاريخ التسجيل: Jan 2009

رقم العضوية: 1196

المشاركات: 4,435

الدولة/المدينة: عقربا جنوب شرق نابلس

الارتفاع عن سطح البحر: من- 200الى 850

شكراً: 5,308
تم شكره 5,568 مرة في 828 مشاركة

افتراضي رد: حفنة تمر من ذكريات الماضي

والله ذكرتني بايام المدرسه القصه اخذتها في التوجيهي في ايام المنهاج الاردني :قبل 3 سنوات قصه جميله جدا ومعبره مشكور على القصه
مشكور اخ موسىنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة




[]نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
  رد مع اقتباس
[ 07-25-2009 ]   رقم المشاركة 6

مراسل طقس-الأردن من مأدبا

 -متنبئ جــــــــــوي رئيســـــي- Chief Forecaster

 

الصورة الرمزية Weather Man

تاريخ التسجيل: Jun 2008

رقم العضوية: 29

المشاركات: 8,709

الدولة/المدينة: مـــــأدبا/طريق مــــــاعين

الارتفاع عن سطح البحر: 800 - 900 متر

شكراً: 317
تم شكره 3,632 مرة في 356 مشاركة

افتراضي رد: حفنة تمر من ذكريات الماضي

هذه المرة الأولى التي أقرائها من 6-7 سنوات منذ ايام التوجيهي ،،، ولا تزال عالقة بمخيلتي في كافة تفاصيلها ...

مشكور على هذا التذكير الرائع ! نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة




  رد مع اقتباس
[ 07-26-2009 ]   رقم المشاركة 7

 

 

الصورة الرمزية موســى

تاريخ التسجيل: May 2008

رقم العضوية: 11

المشاركات: 6,053

الدولة/المدينة: jerusalem

الارتفاع عن سطح البحر: 750 متر

شكراً: 0
تم شكره 13 مرة في 12 مشاركة

افتراضي رد: حفنة تمر من ذكريات الماضي

العفو ما انا تذكرتها لانو تذكرت التوجيهي متلكم نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة وشكرا لكم على المرور




  رد مع اقتباس
رد


أدوات الموضوع
طرق مشاهدة الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
الانتقال السريع إلى


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 05:18 PM.