لا تهجروا القران يا شيعة آل البيت!
أمر الله بتدبر القرآن وقراءته وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار، يتدارسه المؤمن ويقيم حروفه وحدوده وأحكامه في نفسه ومن حوله من الناس، ولم يصل أحد إلى ما وصل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن، ولهذا وصفته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بقولها: { كان خلقه القرآن }.
يقول تعالى: (( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القرآن أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ))[محمد:24].. ويقول: (( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ))[ص:29].
للقرآن تأثير على كثير من المخلوقات، فهذا الله يقول: (( وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا ))[الرعد:31].
ولما سمع الجن القرآن قالوا: (( إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ))[الجن:1].
وحين يقفل على قلب الإنسان لا يتدبر القرآن، ويجد له وقراً وصمماً في أذنيه، ولهذا قالوا: (( لا تَسْمَعُوا لِهَذَا القرآن وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ))[فصلت:26].
وقد أخبرنا الله في محكم التنزيل أن الكفار لا يحبون سماع القرآن، وأن بينهم وبينه حجاب كبير. قال تعالى: (( وَإِذَا قَرَأْتَ القرآن جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا * وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي القرآن وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا ))[الإسراء:45-46].
وما من مسلم -ولله الحمد- إلا وهو يرجو ثواب تلاوته للقرآن سواء تلاوة الحرف أو المعنى. ولكن الحال عند الشيعة مختلف، فإن لهم موقفاً من القرآن سواء على المستوى الرسمي والمؤسساتي وطبقة رجال الدين، أو على مستوى العامة والأفراد ... يحتاج إلى تنبيه ونصيحة .. ذلك أن من الملاحظ على جماهير الشيعة انصرافهم عن تلاوة القرآن ومدارسته وفهم معانيه؟ ما أسباب ذلك؟ وما شواهد واقعهم المعاصر في هذا الشأن؟
أسباب موقف الشيعة من القرآن:
السبب الأول: قولهم بتحريف القرآن:
والنفس فيها نزعة للتعبد، لا يمكن أن تنفك عنها، فإذا جرس سمعها القول بتحريف القرآن أو نقصانه أو وجود مصاحف لفاطمة أو زبور آل محمد أو صحيفة ولوح فاطمة .. أو الصحيفة السجادية، فلا ريب أن هذا مما يضعف أثر القرآن في النفس .. فتنظر إليه نظرتها لأي كتاب آخر ..
السبب الثاني: قولهم بأن القرآن مخلوق وأنه ليس بكلام الله تعالى:
وقد أخذوا هذا عن المعتزلة، فإنه من أهم أصولهم التي دعوا الناس إليها. وأرباب النزعة العقلية كالمعتزلة ومن يشبههم يلمح عندهم تهاوناً كبيراً في تدبر وتلاوة القرآن، نعم قد يوجد لهم عناية بلفظ القرآن بسبب عنايتهم بعلوم اللغة، كما هو شأن الزمخشري المعتزلي في كتابه "الكشاف"، وأحسن أحوال شيوخ الشيعة في اشتغالهم بالقرآن أنهم ينحون به هذا المنحى، فيدرسونه ويفسرونه من هذا الوجه ..، وإلا فلهم من أصول الباطنية والزندقة ما يصرفون به ألفاظ القرآن عن المعاني التي فيه أنزلت، ويقرمطون فيه بأقوال أسلافهم ما يبطلون به دلالات ومعاني القرآن الكريم، وسيأتي من كلام شيوخهم بعد قليل تنبيهات في هذا الشأن.
السبب الثالث: موقفهم من نقلة القرآن الكريم (الصحابة رضي الله عنهم):
لا يمكن أن تنفك النفس الشيعية عن النظر إلى القرآن بعين الريبة والشك (وفي بعض حالات الغلو: التصغير والازدراء، .. إلخ)، وذلك بسبب ما نقله الصحابة لنا من القرآن الكريم، ولهذا عادة ما يثير الشيعة قضية كتابة المصحف وجمعه، خاصة وأنه قد جمع الجمع الأول في عهد أبي بكر رضي الله عنه، وهو من هو في عين النفس الشيعية القديمة والمعاصرة .. وأما ما في عهد عثمان، فحدث عنه ولا حرج، فإذا قلت إن الراوية الصحيحة عند أهل السنة تقول: أخذوا المصحف من بيت حفصة؟!! فهناك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت! رضي الله عن حفصة أم المؤمنين وعن أبيها، وعمن ترضى عليهم إلى يوم الدين ...
السبب الرابع: الغلو في آل البيت = الثقل الأصغر (خاصة الاثني عشر):
إن القرآن ثقل أكبر، وقد أوصى الله باتباعه وأوصى نبينا صلى الله عليه وسلم بذلك، في عدد من الأحاديث، لكن الشيعة أعرضوا عن ذلك، وغلوا في ثقل آخر وتركوا الثقل الأكبر ...
ومن مزالق وعثرات الشيعة التي لا تقال، قولهم: (إن جل القرآن إنما نزل فيهم –يعني: الأئمة الاثني عشر- وفي أوليائهم وأعدائهم)([1]).
وأنت لو فتشت في كتاب الله الكريم وأخذت معك معاجم اللغة وقواميسها وبحثت عن أسماء هؤلاء الاثني عشر لما وجدتها، ومع هذا يكذب شيخهم البحراني فيزعم أن علياً مذكور في القرآن (1154)، بل ما اكتفى بذلك الكذب حتى ألف كتاباً سماه "اللوامع النورانية في أسماء علي وأهل بيته القرآنية".
ومن مزالقهم وعثراتهم اعتقادهم أن القرآن ليس بحجة في نفسه، بل لابد له من قيم، ولهذا روى الكليني في "الكافي": (إن القرآن لا يكون حجة إلا بقيم .. وإن علياً كان قيم القرآن، وكانت طاعته مفترضة، كان الحجة على الناس بعد رسول الله).
إن ذلك الغلو سبَّبَ حالة من عدم الاتزان في النفس الشيعية قديماً وحديثاً، فإنها ركزت وعكفت على الثقل الذي حصرت نفسها فيه، فإنها قد بنت لنفسها بناءً حاولت أن تحكمه قدر وسعها وطاقتها لتتحصن فيه وتنافح عن إرثها الباطني الذي تحمله، بينما الثقل الأكبر -القرآن الكريم- لا يمكنها أن تفعل ذلك معه، وذلك لوضوح معناه وطريقته في البيان والإرشاد، وقد شرقت النفس الشيعية مبكراً بروح القرآن ونفسه العظيم الذي يستولي على القلوب، ويوجهها إلى معبودها وفاطرها، ولهذا لم يرق لها أن تتستر به منذ أول أيام ظهورها في عالم التاريخ الإسلامي ..
إذا وقر في نفس الشيعي أن غالب الآيات في علي وفاطمة وبقية الأئمة الاثني عشر .. كيف سيتلو القرآن ..؟! يكفيه وجود عمامة سوداء أو بيضاء تدور عليه بالنشيد والنياحة على آل البيت والأئمة الاثني عشر، وذكر حديث الكساء، فهذا أرق لقلب المسكين فيما يرى، وفي هذا يفجر طاقاته العاطفية المحبوسة، وهو يظن أنه في تعبد صحيح من هذا الوجه، وخاب ظنه فما هو إلا تلعب يتلعب به الشيطان من حيث لا يشعر، فلم ينزل كتاب الله لذلك ..
ومن رحمة الله بالشيعي أن يبعده عن مثل هذه الأمور، فيوفقه لقراءة القرآن الكريم، ولهذا إذا وجدت الشيعي عامياً يقرأ القرآن، فإنك تجد فيه قبولاً للحق ما لا تجد في غيره من أهل الباطل منهم، وسبب ذلك القرآن، فإنه (( يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ))[الإسراء:9].
السبب الخامس: تمجيدهم للنزعة الأعجمية الفارسية:
القرآن متعبد بتلاوته، نزل بلسان عربي مبين. والشيعة المعاصرون فيهم من آثار الفارسية وتمجيدها الشيء الكثير، بل هي الغالبة عليهم، خاصة في إيران والعراق والهند وباكستان، وغيرها .. والنفس إذا تربت على تمجيد لغة غير لغة القرآن، والعناية بها وتدارسها، وعمل الامتحانات في داخل الحوزات العلمية -الجهلية- من أجلها كيف يمكن لها أن تتنعم بقراءة القرآن .. سيرى الشيعي أنه لو سحب جبلاً من مكانه لكان أسهل من أن يحرك لسانه بلغة القرآن الكريم، فمن تعود على لسان العجمة، يحيى أعجمياً ويموت أعجمياً ..!
إنهم يحاولون أن يغطوا عجزهم في هذا الباب أحياناً بقضية طفل صغير شيعي (من إيران أو غيرها) يقولون: إنه يحفظ القرآن ؟! ويعملون لذلك دعاية مهولة؟ في الحقيقة هذه الدعاية دليل على العجز والنفرة عن القرآن، إذ إن أقل بلدان أهل السنة يوجد فيها كل يوم في إذاعاتهم وتلفازهم ما يشير إلى أنهم أهل إسلام وقران، فإنك تجد العناية بالقرآن في الصغير والكبير، تلاوة في المساجد، ودورات مكثفة، وإجازات قرآنية، وليات ومعاهد تفتح هنا وهناك، ومسابقات دولية وإقليمية ومحلية .. كل هذا ليرقى المسلمون بالقرآن، فإنه كتاب ربهم الذي يعبدون ...!
وقد حدثني بعض مدرسي الدين ممن ابتلاه الله عز وجل بتدريس الرافضة أن طلبته من الشيعة أسوأ الطلاب قراءة وتلاوة للقرآن الكريم، وأنهم لا يكادون يقيمون آية واحدة على وجه الصواب .. ويأتيه الطالب من البادية -من أهل السنة- أعرابياً جلفاً، فيتعلم القرآن، فينبل قدره، ويأتيه الشيعي من مدينة وحاضرة فيها وسائل العيش الكريم، فلا يكاد يبين بآية واحدة من القرآن الكريم ؟!
وهذا الفيلسوف عبد الرحمن بدوي عندما زار إيران في عهد الشاه كان يستمع على المنابر إلى صوت (عبد الباسط عبد الصمد، والحصري من أهل السنة ولله الحمد) يقرآن القرآن في أصوات المكبرات عند اقتراب أوقات الصلوات ...!!
وليس هذا مقصوراً على عهد الشاه، بل ازداد البعد عن القرآن أكثر وأكثر في تلك الديار بعد استيلاء الآيات على مقاليد الحكم وإعلان الثورة الإسلامية، فأي ثورة هذه التي لا تعتني بالقرآن الكريم ،.. هل هذا من الإسلام؟ وهل أمر الله بهجر كتابه الكريم؟!
لو عملت مقارنة يسيرة بين حال أهل السنة مع القرآن وحال الشيعة معه لخرج الإنسان بنتائج تحتاج إلى نظرة تأمل من الطرفين؟ هذا الأزهر ...منارة من منارات القرآن، وجامعة الحفاظ .. خرَّجَ مئات الآلاف من الحفاظ الذين علموا الدنيا كلها كيف يتلى كتاب الله ؟. ولله كم من مسجد أحياه الأزهر عبر العالم بإرسال الأئمة والقراء في ليالي رمضان يتهجدون بالمسلمين الليالي ذوات العدد، يقومون ليلة القدر والعشر الأواخر، ويصلون بهم الأعياد في مشارق الأرض ومغاربها ..!
هل يوجد مثل محمد صديق المنشاوي أو محمدو خليل الحصري؟ أم يا ترى هل تستطيع الأجيال الشيعية القادمة أن تخرج مثل عبد الباسط عبد الصمد؟ أرى أن هذا مستحيلاً، وذلك لأن رؤوس الشيعة وموجهي الفكرة الشيعية لا يزالون محافظين على أسباب البعد عن القرآن الكريم ؟!
تأمل في المقابل، تجد التنافس محموماً عندهم على راوديد الوثنية والشرك، والتغني بحب آل البيت، والتطبير في عاشوراء .. لا سواء يشيع عندهم اسم "باسم الكربلائي" وأضرابه، ونحن يشيع عندنا معاشر أهل السنة محمود خليل الحصري وعلي الحذيفي وعبد الباسط عبد الصمد! ... بكل قناة تنشأ وكل إذاعة تفتتح وكل موقع في الشبكة العنكبوتية (الانترنت) تجدهم يكرسون أسباب البعد عن القرآن الكريم ..!! أما والأمر كذلك، فإن الهوة ستزداد يوماً بعد يوم بعداً عن القرآن الكريم في العالم الشيعي..!
لقد طبع الأزهر ملايين النسخ من القرآن خدمة لكتاب الله، بينما تطبع الحوزات في النجف وقم ملايين النسخ من كتاب "نهج البلاغة"، و "الصحيفة السجادية"، وكتاب "قيس بن سليم" الذي فيه تأليه علي، والطعن في القرآن، ما نقموا عليه إلا أنه ورد فيه: "القول بثلاثة عشر إماماً" لا: "اثني عشر"، مع هذا يقول المجلسي في "البحار": "وهو أصلٌ من أصول الشيعة وأقدم كتاب صنف في الإسلام".
ثم أورد المجلسي الكذاب أربع روايات تفيد أن زين العابدين علي بن الحسين قرئ عليه الكتاب، وقال: [[ صدق سليم ]]، وهذا كذب على الإمام علي بن الحسين رحمه الله.
وأما الترويج لكتب أئمتهم وأفكارهم الباطلة ومبادئ ثورتهم المعاصرة فشيء لا يصدق به مسلم، فإنهم لم يبذلوا ثلث ذلك مع كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ..، ولهم عناية عظيمة بكل ما فيه كذب أو يدعو إليه!
ولما قام عبد الجبار الرفاعي بطبع "معجم المطبوعات العربية القديمة في إيران" استثنى من ذلك طبعات القرآن الكريم، ولا ندري ما السبب في ذلك..؟! أهو علم الببليوجرافيا والتخصص وصعوبة حصر ذلك؟ أم أنه اكتشف قلة الطبعات للقرآن الكريم في تلك الديار، فلم ير أن يشغل كتابه بها ؟!
دور الحوزات في هجر القرآن الكريم:
يقول الدكتور جعفر الباقري: (.. من الدعائم الأساسية التي لم تلق الاهتمام المنسجم مع حجمها وأهميتها في الحوزة العلمية: هو القرآن الكريم، وما يتعلق به من علوم ومعارف وحقائق وأسرار، فهو يمثل الثقل الأكبر، والمنبع الرئيسي للكيان الإسلامي بشكل عام.
ولكن الملاحظ هو عدم التوجه المطلوب لعلوم الكتاب الشريف؛ وعدم منحه المقام المناسب في ضمن الاهتمامات العلمية القائمة في الحوزة العلمية؛ بل وإنه لم يدخل في ضمن المناهج التي يعتمدها طالب العلوم الدينية طيلة مدة دراسته العلمية؛ ولا يختبر في أي مرحلة من مراحل سيره العلمي بالقليل منها ولا بالكثير.
فيمكن بهذا لطالب العلوم الدينية في هذا الكيان أن يرتقي في مراتب العلم؛ ويصل إلى أقصى غاياته وهو (درجة الاجتهاد) من دون أن يكون قد تعرف على علوم القرآن وأسراره؛ أو اهتم به ولو على مستوى التلاوة وحسن الأداء)([2]) أهـ.
ويقول المرشد العام للشيعة اليوم في إيران آية الله خامنئي: (مما يؤسف له أن بإمكاننا بدء الدراسة ومواصلتها إلى حين استلام إجازة الاجتهاد من دون أن نراجع القرآن ولو مرة واحدة.... لماذا؟! لأن دروسنا لا تعتمد على القرآن)([3]) أهـ.
ويقول أيضاً: (.. إنَّ الانزواء عن القرآن الذي حصل في الحوزات العلمية وعدم استئناسنا به؛ أدى إلى إيجاد مشكلات كثيرة في الحاضر ...!! إن هذا البعد عن القرآن الكريم يؤدي إلى وقوعنا في قصر النظر)([4]). أهـ.
ويقول الدكتور جعفر الباقري: (هذا الأمر الحساس أدى إلى بروز مشكلات مستعصية وقصور حقيقي في واقع الحوزة العلمية لا يقبل التشكيك والإنكار). أهـ .
ويقول محمد حسين فضل الله: (... فقد نفاجأ بأن الحوزة العلمية في النجف أو قم أو في غيرهما لا تمتلك منهجا دراسياً الزامياً للقرآن)([5]) أهـ.
وإذا كان هذا الأمر ثابتاً في الحوزات، فلا تستغرب من عزوف الطلاب عن القرآن وعلومه، ثم يتدرج به الأمر حتى يصبح فيما بعد آية أو مرجعاً شيعياً أعلى، وهو لا يحسن قراءة الفاتحة، وإذا قرأها قرأها بلكنة فارسية؟!
لا أزال أذكر صلاة الجنازة التي عقدت على الهالك الخميني كيف كان الإمام لا يستطيع الجهر بالتكبير إلا بلكنة أعجمية واضحة؟!
فكيف يتأتى من هذا هداية الناس وتعليم سواد المتشيعة؟!!
ولهذا يقول الدكتور الجعفري عن سبب عزوف الطلاب والعلماء الشيعة عن القرآن وعلومه: (وكان ربما يعاب على بعض العلماء مثل هذا التوجه والتخصص الذي ينأى بطالب العلوم الدينية عن علم الأصول، ويقترب به من العلم بكتاب الله العزيز؛ ولا يعتبر هذا النوع من الطلاب من ذوي الثقل، والوزن العلمي المعتمد به في هذه الأوساط). أهـ.
ولقد سمع الناس عن هروب عدد من الطلاب الشيعة من الحوزات في قم وغيرها بسبب هجرهم للقرآن، فإن بعضهم يأتي ويظن أن الأمر سيقربه من الله وآل بيت نبيه، فإذا درس وواصل في سنوات الدراسة يكاد قلبه أن يطير من هجران القرآن؟! هرب أحد هؤلاء الطلاب من حوزة قم، وأعلن أنه: (لا يستطيع قراءة القرآن في قم)! ولا يلام مثل هذا الطالب قدر ما يلام مروجي الفكرة الشيعية المعاصرة الذين ينأون بمقرراتهم ومناهجهم عن كتاب الله الكريم!
بل إن آية الله خامنئي علق على هذا الوضع المزري في العالم الشيعي بقوله: (.. إذا ما أراد شخص كسب أي مقام علمي في الحوزة العلمية، كان عليه أن لا يفسر القرآن حتى لا يتهم بالجهل!!
حيث كان ينظر إلى العالم المفسر الذي يستفيد الناس من تفسيره على أنه جاهل ولا وزن له علمياً، لذا يضطر إلى ترك درسه...ألا تعتبرون ذلك فاجعة؟!)([6]). أهـ.
ويقول أيضاً: (قد ترد في الفقه بعض الآيات القرآنية ولكن لا تدرس ولا تبحث بشكل مستفيض كما يجري في الروايات)([7]) أهـ.
أقول: ولهذا الأمر، حاول الخامنئي أن يقوم بمحاولة رائدة في عالم الشيعة المعاصرين، فقام بترجمة كتاب "في ظلال القرآن" لسيد قطب، وستؤول المحاولة بالفشل، لأن المسألة ليست متوقفة على الترجمة للقرآن وكتب التفسير ومعاني الدعوة للإسلام المبثوثة في القرآن الكريم وكتب التفسير، فإن هذا ليس مما يتعلم بالترجمة بل لابد من فهمها وتعملها والعمل بها، والدعوة إليها، وصناعة التشيع المعاصرة تأبى ذلك، كما كان حالها في القديم، وهي تثبت فشلها يوماً بعد يوم وعصراً بعد عصر في تعاملها مع القرآن الكريم، فالداء كامن في أصل المذهب الشيعي، لما أسلفناه من أسباب تحول بينهم وبين القرآن الكريم.
يقول مرتضى مطهري: (... عجباً!! إنَّ الجيل القديم نفسه قد هجر القرآن وتركه، ثم يعتب على الجيل الجديد لعدم معرفته بالقرآن؟!
إننا نحن الذين هجرنا القرآن، وننتظر من الجيل الجديد أن يلتصق به، ولسوف أثبت لكم كيف أن القرآن مهجور بيننا؟!
إذا كان شخص ما عليماً بالقرآن، أي إذا كان قد تدبر في القرآن كثيراً، ودرس التفسير درسا عميقاً، فكم تراه يكون محترماً بيننا؟ لا شيء.
أما إذا كان هذا الشخص قد قرأ "كفاية" الملا كاظم الخراساني، فإنه يكون محترماً وذا شخصية مرموقة. وهكذا ترون أن القرآن مهجور بيننا.
وإن إعراضنا عن هذا القرآن هو السبب في ما نحن فيه من بلاء وتعاسة، إننا أيضاً من الذين تشملهم شكوى النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه: (( يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ))[الفرقان:30].
قبل شهر تشرف أحد رجالنا الفضلاء بزيارة العتبات المقدسة، وعند رجوعه قال: (إنه تشرف بزيارة آية الخوئي حفظه الله، وسأله: لماذا تركت درس التفسير الذي كنت تدرسه في السابق؟! فأجاب: إن هناك موانع ومشكلات في تدريس التفسير! يقول: فقلت له: إن العلامة الطباطبائي مستمر في دروسه التفسيرية في قم!!
فقال (الخوئي): إن الطباطبائي يضحي بنفسه!! أي: إن الطباطبائي قد ضحى بشخصيته الاجتماعية. وقد صحَّ ذلك!!
إنه لعجيب أن يقضى امرؤ عمره في أهم جانب ديني، كتفسير القرآن ثم يكون عرضة للكثير من المصاعب والمشاكل: في رزقه، في حياته، في شخصيته، في احترامه، وفي كل شيء آخر. لكنه لو صرف عمره في تأليف كتاب مثل "الكفاية" لنال كل شيء، تكون النتيجة أن هناك آلافا من الذين يعرفون الكفاية معرفة مضاعفة، أي أنهم يعرفون الكفاية والرد عليه، ورد الرد عليه، والرد على الرد عليه، ولكن لا نجد شخصين اثنين يعرفان القرآن معرفة صحيحة، عندما تسأل أحدا عن تفسير آية قرآنية، يقول لك: يجب الرجوع إلى التفاسير)([8]) أهـ.
ولهذا لن يتعجب أحد إذا وجد تفاعل الشيعة مع حوادث إهانة القرآن الكريم والتعدي عليه ضعيفة أو مخجلة، لا تتوافق مع قوة دعايتهم في الباب، وذلك لأن القرآن قد اتخذ مهجوراً بينهم؟!
يقول محمد جواد مغنية الشيعي اللبناني: "وقد حرفت إسرائيل بعض الآيات مثل: (( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ))[آل عمران:85] فأصبحت: "ومن يبتغي غير الإسلام دينا يقبل منه"!!
وقد اهتز الأزهر لهذا النبأ، ووقف موقفاً حازماً ومشرفاً، فأرسل الوفود إلى الأقطار الآسيوية والأفريقية، وجمع النسخ المحرفة وأحرقها. ثم طبع المجلس الإسلامي الأعلى في القاهرة أكثر من أربعة ملايين نسخة من المصحف ... ووزعها بالمجان!! " أهـ.
وليس هذا محل العجب، فإن أهل السنة أهل القرآن وخاصته، ولكن العجب مما يأتي .. يقول مغنية الشيعي مواصلاً كلامه: ".. أما النجف، وكربلاء، وقم، وخراسان، فلم تبدر من أحدهما أية بادرة، حتى كأن شيء لم يكن، أو كأن الأمر لا يعنيها ... وصح فيهم قول القائل:
فإن كنت تدري فتلك مصيبة وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم" أهـ.
قال صلى الله عليه وسلم:{ما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده}.
اللهم فارزقنا حبك، وحب كتابك، والإيمان به، والعمل به، وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار، وأدخلنا به الجنات، وارفعنا به الدرجات، ونجنا به من النار، واجعله شفيعاً لنا يوم الدين يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ..
([1]) تفسير الصافي (1/24).
([2]) ثوابت ومتغيرات الحوزة العلمية، الدكتور جعفر الباقري (ص:109 ).
([3]) نفس المصدر، (ص:110).
([4]) نفس المصدر (ص:111).
([5]) نفس المصدر (ص:112).
([6]) نفس المصدر (ص:112).
([7]) نفس المصدر (ص:110).
([8]) إحياء الفكر الديني (52).