القرآن الكريم تحدث عن الوهج الشمسي ودوره في إنزال المطر في زمن لم يكن أحد على وجه الأرض يدرك شيئاً عن هذه الحقيقة العلمية، يقول عز وجل: (وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً * وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجاً) [النبأ: 13-14]، والمعصرات هي الغيوم الكثيفة. وتأمل معي كلمة (وَهَّاجاً) وهي صفة حرارة الشمس التي سماها الله بالسراج المشتعل، وهذه تسمية دقيقة من الناحية العلمية. وكلمة (وَهَّاجاً) لم ترد في القرآن إلا في هذا الموضع، وجاء بعدها مباشرة الحديث عن إنزال المطر. فلو كان القرآن من قول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فكيف عرف أن وهج الشمس (أي حرارتها) هو الذي يبخر الماء وليس ضوءها؟ بل كيف عرف هذا الرسول الرحيم صلى الله عليه وسلم أن الشمس هي سراج؟ إذن القرآن هو أول كتاب ربط بين وهج الشمس ونزول المطر بكلمتين: (وَهَّاجاً) و (ثَجَّاجاً). فانظر إلى هذه الدقة العلمية!
المعصرات، هي: السحب، والثجاج المتدفق المنسكب بقوة، وهذه السحب في السماء تزحف كالجبال، وتتحرك كالروابي مثقلة بالماء، محملة بكميات هائلة من الغيث، تمر بأمر، وتقف بأمر، وتمطر، بإذن الله، وتمسك بإذنه، ويسوقها سبحانه من بلد إلى بلد، تمر بديار فلا تسقط عليها قطرة، بإرادة المولى سبحانه، وتصل إلى ديار فتصب ماءها صباً بمشيئة المدبر الحكيم.
وهذه المعصرات تحمل ماءها في نفسها بلا مخازن، ولا برك ولا حياض، لكنها أشبه بالدخان.
هذه المعصرات يرسل عليها عز وجل الرياح فتحملها إلى بلاد شاسعة وأراض نائية وبلاد بعيدة.
هذه المعصرات إذا تفجرت عيونها، وتضاحكت مزونها، وصدقت وعودها، ورنت رعودها، تغير وجه الأرض من بركاتها، بإذن ربها، فإذا خرير الماء، وهدير السيل، وهتاف السواني، وزمجرة الغدير، وتمتمة الجدول، وإذا الحياة والنماء والنبت والخضرة؛ فبستان يورق، وحديقة تبهج، ومزارع تخضر، ونبت يترعرع، فالزهر من آثارها في ازدهار، والورد من أمطارها في انبهار:
فلا عظيم سوى الله الذي شهدت له الخلائق بالتوحيد والقدم