نظرية الفوضى
شاهد العالم بطريقة أخرى
بينما كان متوجهاً الى موقف الباصات , أحس بشيء يتحرك في حذائه , توقف ليتحسس الوضع ,فخلع حذاءه ليجد فيه نملة صغيرة رماها جانباً و مضى مسرعاً ليلحق بالباص , و لما دخل مكتب النقل , استوقفه عجوز يسير ببطء نحو موظفة الحجز , فتمهل قليلاً لمنح الدور لذلك العجوز , و لكنه ندم بعدها عندما سمع الموظفة تقول للعجوز بأن هناك مقعد واحد بجانب السائق لو سيكون من نصيبك
مما اضطره لانتظار الرحلة التالية بعد نصف ساعة .
لما وصل فوجئ بخبر وقوع حادث على الطريق و مقتل خمسة من ركاب الباص بينهم السائق و الذي كان يجلس بجانبه اضافة الى ثلاثة ركاب آخرين
أحس براحة غريبة , و لكنه أيضاً أحس بالمسؤولية فما هذا الحظ الذي أنجاه من موت محقق ؟؟؟
و لان فضوله لم يقف عند هذا الحد , أراد أن يستطلع وضع ذلك العجوز , فتوصل الى منزله ليجد أن أبنه الأكبر قد باعه بعد وفاته بأسبوع واحد و لكنه كان مصر على أن يعرف أكثر عن ذاك العجوز الذي قد فداه , فبداً بالسؤال عن ذلك الابن الى أن وصل الى متجر كبير و عندما سأل ذلك الابن عن ابيه قال له أنه مات , و أنه قد باع المنزل و استورد بثمنه بضاعة من الصين استقدمها بسفينة تجارية ليملأ محله الذي كان مهدداً بالاغلاق
توقف صاحبنا للحظة اسذكر فيها ما حصل معه , و انتهى تفكيره الى تلك النملة .
..........
لنتأمل أكثر في القصة , و كيف أن تلك النملة كانت سبباً في تحرك تلك السفينة .
و لأني موقن بأن الله يحكم الكون بقوانين و سنن و لا مجال للصدفة أبدا ,فلا بد أن هذه أحد سننه و هي ليست وليدة اللحظة لانقاذ ذلك الشخص , بل هي قانون محكم في علم الله الأزلي
كما بين في قوله
"فلن تجد لسنة الله تبديلا , و لن تجد لسنة الله تحويلا "
فمثلاً أستطيع أن أفهم قانون غليان الماء عند الدرجة 100 مئوية و أستطيع أن أتنبأ في كل مرة يحدث فيها ارتفاع درجة الحرارة .
و كذلك مع كل القوانين المعروفة كالاحتراق بالنار و القطع بالسكين ...
فما هو ذك القانون التي ربط النملة بالسفينة .
....
قد تظن انني أمزح في ذلك لو أنك لم تسمع بنظرية الفوضى Chaos Theory,
و التي يعود الفضل في تسليط الضوء عليها لعالم الأرصاد إدوارد لورنز Edward Lorenz في العام 1961م حينما كان يعمل على صياغة نموذج رياضي للتنبؤ بحالة الطقس.
حاول لورنز باستخدام حاسبه البدائي أن يتنبأ بحركة الريح في الأيام المقبلة وذلك بواسطة نموذج يحتوي على عدد من المعادلات الرياضية بافتراض وجود علاقة بين حركة الريح اليوم وحركتها في اليوم التالي. وبعد صياغة هذه العلاقة رياضيا, فإنه يمكن تغذية الحاسب بالبيانات المتوفرة حول حركة الريح اليوم , لنحصل على تنبؤ بالحركة في اليوم التالي. وباستخدام النتيجة المتنبأ بها لحركة الريح في الغد يمكن التنبؤ بالحركة ليوم بعد غد, وهكذا فإنه بتغذية الحاسب ببيانات اليوم يمكن التنبؤ بحركة الريح على مدى شهر أو أكثر, كانت الأمور تسير على ما يرام
إلى أن أراد ذات يوم أن يدرس جزءًا معيّنًا من السلسلة الزمنية التي لديه بشيء أكثر من التفصيل, وحيث إنه قد أنتج هذه السلسلة من قبل كما أسلفنا, فإنه قرر أن يأخذ رقما من منتصف السلسلة ويغذي به الحاسب الآلي مفترضا أن التنبؤات التي سيحصل عليها ستكون موافقة تماما لما حصل عليه من قبل لأن هذه العملية هي التي كان يفعلها الحاسب الآلي تلقائيا ليحصل على قيم التنبؤات السابقة, الفرق الآن فقط هو أنه قام بإدخال المعلومات يدويا بدلًا من أن تكون تغذيتها تلقائيا.
توقع لورنز أن يحصل على نفس النتائج السابقة والمتعلقة بالفترة التي يدرسها.. غير أن الذي حدث شيء آخر تماما! لاحظ لورنز أن النموذج بدأ يعطي نتائج مختلفة قليلا عن النتائج السابقة.. وأن هذا الاختلاف يزداد شيئا فشيئا حتى لا يكاد يلمس أي تشابه بين النتائج الحالية والنتائج السابقة, وبعد البحث والتحري اكتشف لورنز أن الفرق الوحيد الذي يمكن أن يعزى إليه هذا الاختلاف الكبير في النتائج يكمن في البيانات الأولية التي غذيت بهما التجربتان. لقد كانت البيانات المدخلة في التجربة الأولى تؤخذ تلقائيا من الحاسب الآلي وهذا يعني أنها صحيحة لستة أرقام عشرية، بينما كانت البيانات المدخلة في التجربة الثانية, لأن الطابعة المتصلة بالحاسب كانت لا تطبع أكثر من 3 أرقام عشرية، لقد كان التقريب طفيفا جدًّا. لم يكن يتصور أن هذا التقريب سيكون له أي أثر يذكر في إحداث فرق بين نتائج التجربتين, فضلا عن أن يكون سببا في تباين النتائج بشكل هائل وغير متوقع في المراحل المتقدمة من السلسلة الزمنية.
......
قادت هذه التجربة لورينز الى ما يسمى الآن بنظرية الفوضى و هي تنص عل أن
كل شيء يظهر على أنه فوضوي و غير منضبط , هو في الأصل منظم و منضبط كلياً, و يخضع لسلاسل زمنية لا خطية تتأثر بالظروف البدئية تأثراً عميقاً
و تحده قوانين دقيقة جداً,و هو مقصود, و ليس هناك شيء عشوائي أبداً .
و لكن نظرية الفوضى تتطلب المعرفة الدقيقة جدًّا للحالة الأولية للنظام المراد التنبؤ بمستقبله, و أن أي تغيير مهما كان طفيفاً و ضئيلاً يمكن أن يصل الى اختلافات كبيرة مع الزمن
و قد صاغ ذلك بمبدأ تأثير الفراشة ( Butterfly Effect ) يقول فيها :
الفراشة ، التى تضرب بجناحيها في هونغ كونغ ، يمكنها تغييّر أساليب الاعاصير في تكساس.
فبالرغم من أن تأثير الهواء الذي تدفعه الفراشة بجناحها ضئيل جدًّا,
إلا أن تراكماته وتداعياته تتضاعف كلما مر الزمن لتكون أو لتساهم في تكوين حدث ضخم كالإعصار على المدى البعيد
و لكن هنا أريدك أن تقرأ الآية الكريمة بتمعن :
"وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين "
و أن تفرق بين الغيب و مفاتحه و طريقة الدخول في عالم التنبؤ الشاق و لماذا ادخل الله الورقة أو الحبة في علم الغيب الخاص بالبشر
و لتبسيط الأمر أكثر على القارئ سأطرح مثال آخر في لعبة البلياردو
شرحه العالم مايكل بيري (Michael Berry)
لنتصور طاولة بلياردو تحتوي على عدد من الكرات, ولنفترض إلغاء أثر الاحتكاك في عملية الاصطدام بين الكرات في حالة ضربها بالمضرب,
وبإلغاء الاحتكاك فإن عمليات الاصطدام الناشئة عن ضربة واحدة سوف تستمر إلى ما لا نهاية ولنتصور الآن أننا نريد أن نتنبأ بموقع إحدى الكرات بعد حدوث عدد من الاصطدامات بينها وبين الكرات الأخرى,
ولكي نقوم بهذا العمل فإننا نتسلح بقوانين الحركة المعروفة ونقيس زوايا الارتطام والارتداد والسرعات التي تتحرك بها الكرات داخل الطاولة,
ولكننا إذ نفعل ذلك سوف نهمل قطعا الكثير من المؤثرات على حركة الكرات داخل الطاولة مما نعد أن إهماله لن يؤثر على حساباتنا لمسار الكرة المراد دراسته,
ولكي يتضح أثر إهمال هذه العوامل بشكل فاضح, لنفترض أننا أهملنا قوى الجذب بين كرتنا المذكورة وبين إلكترون يقع في أقصى مجرة «درب التبانة» التي نسكنها!!
بحساب قوى الجذب بين هذين الجسمين يتبين لنا أن الإلكترون سوف يحدث انحرافا في مسار الكرة مقداره ( 1×10-99 درجة ).
لو كانت هذه الكرة تسير في خط مستقيم فإن انحرافا بهذه الضآلة الشديدة لن يؤثر على تنبؤنا بمسارها. فلو سارت الكرة في خط مستقيم مسافة قدرها قطر الكون المعروف فلن يؤثر إهمال الإلكترون على تنبؤنا بمكان وصولها إلا بمسافة تقل كثيـرًا جدا عن قطر ذرة الهيدروجين! لكن الأمر يختلف كثيرا داخل طاولة البلياردو! والسبب في ذلك هو اللاخطية (Non-Linearity) التي تحكم الحركة والاصطدام داخل الطاولة والناشئة عن الانحناء في أسطح كرات البلياردو, الأمر الذي يختلف عن مجرد انطلاق الكرة في خط مستقيم من مكان إلى آخر.
إن كل اصطدام يقع بين الكرة المرصودة وإحدى الكرات الأخرى على الطاولة سوف يضاعف من الخطأ الناشئ عن إهمال الإلكترون في حساباتنا بما يقارب العشر مرات.
وهذا يعني أنه بعد مائة اصطدام سوف يصبح الخطأ في حساباتنا لمسار الكرة بمقدار درجة واحدة! وبعد الصدام التالي سيصبح 10 درجات والذي يليه سيحدث خطأ مقداره مائة درجة ثم ألفا, وهكذا!
أي أننا سوف نفقد الأمل تماما في متابعة مسار الكرة بعد الاصطدام رقم 102 وذلك فقط بسبب إهمالنا لإلكترون في أقصى المجرة!!
ولا شك إذا أننا لن نستطيع أن نتابع مسار الكرة إلى ما بعد ثلاث أو أربع اصطدامات بسبب العوامل الكثيرة المعقدة والتي تؤثر في هذا النظام المحدود.
..........
هذا فيما يخص التنبؤ بمسار كرة في طاولة بلياردو.. و نزيد:
أن ما يدور في الكون أعقد «قليلاً» مما يدور على طاولة البلياردو!
و هذا يدعونا الى القول بأن التنبؤ يحتاج الى معرفة دقيقة بالحالة البدئية للنظام و هذا أمر يحتاج الى دراسة مطولة جداً
فكلنا درسنا ف مبدأ " عدم التحديد Uncertainty Principle" للعالم الألماني هيزنبرغ Heisenberg
و الذي يقضي باستحالة معرفة مكان وسرعة الجسيم بشكل دقيق وفي آن واحد, فكلما زادت دقة معرفتنا بمكان الجسيم, قلت الدقة في معرفة سرعته, والعكس صحيح
.............
و أشير الى أن هذه النظرية قد ستخدمت في عدة تطبيقات : كالتنبؤ بنوبات الصرع و تذبذبات أسواق المال و الأسهم و العلوم الاجتماعية و حالة الطقس المتقلب ...
و هناك معادلات خاصة بكل حالة تتعلق بنطقة البدأ بشكل وثيق جداً
****
سأتوقف هنا لأترك لك مجالاً تبحر فيه بخيالك لتتذكر فيه بعض اللقصص التي حدثت معك
و كم مرة تدخلت في زلزال في اليابان أو بركان في المكسيك أو فيضان أفريقيا
ان شاء الله تعجبكم