ثمــرات .. من حياة الأربعة .. ! - الصفحة 3 - منتديات ArabiaWeather.Com

العودة   منتديات ArabiaWeather.Com > المنتديات العامة (استراحة المنتدى) > المنتدى العام و تعارف الأعضاء > المنتدى الاسلامي

الملاحظات

المنتدى الاسلامي الموسوعة الدينية و يختص بالتعريف بالدين الأسلامي وكل ما يتعلق به

الاخبــــار

رد

[ 11-20-2014 ]   رقم المشاركة 21

 

 

الصورة الرمزية mohamadamin

تاريخ التسجيل: Feb 2009

رقم العضوية: 2643

المشاركات: 513

الدولة/المدينة: عمان- مرج الحمام

الارتفاع عن سطح البحر: 900 - 1000 متر

شكراً: 95
تم شكره 194 مرة في 113 مشاركة

افتراضي رد: ثمــرات .. من حياة الأربعة .. !

لكن السؤال الأصعب..
الذي يحتار فيه كثير من المسلمين فضلاً عن غير المسلمين هو..

لماذا أسرع الأنصار لاختيار الخليفة من بينهم، وليس من المهاجرين؟

(1) حتى نفهم موقف الأنصار..
لا بد أن نسمي الأشياء بمصطلحات العصر الحديثة.. حتى ندرك أبعاد الموقف بأكمله..
الأنصار في مصطلح العصر الحديث هم أهل البلد الأصليون..
كانت المدينة وكأنها دولة مستقلة.. يعيش فيها الأوس والخزرج..
وذلك قبل قدوم الرسول (صلى الله عليه وسلم) .. والمهاجرين إليها..
ثم اضطهد المهاجرون في بلدهم مكة.. دولة مستقلة أخرى بجوار المدينة المنورة..
وضُيق على المهاجرين الخناق..
فاضطروا إلى ترك البلد.... واللجوء إلى المدينة المنورة..
أي أن التعريف الحديث للمهاجرين ..هو مجموعة من اللاجئين السياسيين في المدينة المنورة..
وكدولة كريمة سخية عادلة استقبلت المدينة اللاجئين..
أو المهاجرين خير استقبال وأكرمتهم وأعطت لهم..
ومنحتهم كل حقوق المواطن الأصلي في البلد...
ومرت الأيام ولم تفرض أبدًا عليهم قيودًا تعوق من حياتهم..
بل على العكس كثيرًا ما آثرتهم على أهل البلد الأصليين..
ثم مرت أيام أخرى..
ومات قائد المدينة المنورة وزعيمها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)..
وحان وقت تولية زعيم جديد على المدينة..

أمن المنطق البسيط أن يكون زعيم الدولة من أهلها الأصليين.. أم من اللاجئين إليها؟

أمن المنطق البسيط أن يكون زعيم الدولة من الذين قَدّموا لأجل من قَدِم إليهم ..
أم يُقَدّم الذي جاء طريدًا من بلده فاستقبل في بلد آخر؟

لو هاجر مجموعة من الفلسطينيين مثلاً إلى أمريكا، أو إنجلترا، أو حتى إلى بلد إسلامي مجاور..
أيجوز في عرف هذه البلاد أنه إذا مات رئيسها أن يُختار الرئيس الجديد ..
من بين اللاجئين السياسيين إلى هذه البلد؟
هذا في عرف كل من فكر في القضية تفكيرًا عقلانيًّا بحتًا لا يصح..
ما لم يغيره قانون معين موضوع قبل ذلك...
وليس هناك -فيما أعلم- بلد في العالم وضع مثل هذا القانون..
الذي يجيز للاجئين الصعود إلى كرسي الحكم في البلد المضيف.

هذا ما جال في ذهن الأنصار عقب وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم)..
هم أصحاب البلد، وأكثريتها، وملاكها، أرض آبائهم وأجدادهم..

فلماذا يوضع على الكرسي من هو من خارج البلد؟

إذن هذه نقطة.

(2) أليس أهل المدينة أدرى بشعابها ودروبها وإدارتها..؟
واضح أن المدينة هي دار الإسلام الرئيسية ومكة والطائف ..
وغيرها ما هي إلا مدن تابعة..
أليس من المنطقي الذي يخطر على بال الأنصار ...
أنه من المصلحة أن يقود هذه الدولة من هو أعلم بوضعها وبسكانها وبالقبائل المحيطة بها..
وبتاريخها، وجذورها، أليس من باب المصلحة أن يكون قائد دولة المدينة من أهل المدينة؟
هذا ولا شك خطر على بال الأنصار..
فتجمعوا لاختيار الخليفة من بينهم.

(3) أكان من الممكن للمهاجرين أن يقيموا دولة بغير الأنصار؟
المهاجرون قضوا 13 سنة كاملة في مكة..
ولم يفلحوا هناك في تحويلها لبلد إسلامي..
فكان لا بد من الهجرة لحين الوصول إلى القوة الكافية للعودة مرة أخرى إلى مكة..
وسعى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى بلاد شتى لكي يئوه، وينصروه..
فإن قريشًا قد ظاهرت على أمر الله..
ذهب الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) إلى الطائف..
فأبوا عليه وطردوه، ورجموه بالحجارة..
خاطب معظم قبائل العرب في مواسم الحج، فردوه جميعًا..
خاطب بني حنيفة، وبني كندة، وبني شيبان، وبني عامر بن لؤي، وبني كلب، وغيرهم، وغيرهم..
فردوه جميعًا إلا طائفة صغيرة من الخزرج..
ثم عادوا إلى قومهم وجاءوا بغيرهم..
ثم بعدها دخلوا في الدين أفواجًا..
وعرضوا استقبال رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. والمهاجرين في بلادهم..
وبايعوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على بذل النفس، والمال، والجهد..
والوقت، والرأي، وكل شيء..

وهاجر فعلاً رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
والمسلمون من أهل مكة إلى البلد الجديد المدينة..
فقامت دولة الإسلام..
ولا شك أنه لو لم يكن الأنصار ما قامت الدولة في ذلك الوقت..
إلا عندما يظهر فريق آخر يقبل ما قبل به الأنصار...
لذلك كان من الطبيعي للأنصار أن يشعروا أنه من المنطقي أن يكون الرئيس الجديد من بينهم.

(4) الأنصار يشعرون أن المهاجرين سيعودون إلى بلدهم الأصلي مكة ..
بعد وفاة رسول (صلى الله عليه وسلم)...
مكة البلد الحرام..
مكة التي تركوا فيها ديارهم وأرضهم وأموالهم التي صادرها المشركون..
الآن أسلم المشركون.. ومن حقهم العودة إلى بلادهم..
لأخذ ما صودر منهم هناك...
ومن حقهم أن يعيشوا في البلد الحرام حيث الصلاة بمائة ألف صلاة..
ومن حقهم أن يعودوا للذكريات الأولى..
والعائلات الأصلية في مكة وما حولها..
والأنصار شكوا في هذا الأمر من قبل..
خاصة في غزوة حنين ..

(5) الأنصار يشعرون أن العرب ستستهدفهم بالقتال بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم)..
فالحقد يملأ قلوب العرب على الأنصار..
لأنهم هم الذين نصروا محمدًا (صلى الله عليه وسلم)...
وهم الذين قاتلوا هنا وهناك في بقاع مختلفة من الجزيرة..
وليس لهم الشرف الذي كان في قريش..
وحتى قريش ذاتها ستحاربهم بعد ذلك..
فإن لم يكن لهم قوة الحكم والسلطان فقد يُسْتأصلوا إذا تحزبت ضدهم قبائل العرب..
وسيظهر هذا الإحساس في كلامهم كما سنرى في سقيفة بني ساعدة.

لهذه الأسباب مجتمعة...
ومن المحتمل لغيرها مما لا نعلمه..
واعتقد الأنصار أنه من المنطقي أن يكون الخليفة من بينهم، وليس من المهاجرين..
ليس تقليلاً لشأن المهاجرين في نظرهم ولا إهمالاً لهم..
ولكن لاعتقادهم أن هذا حق لا ينازعهم فيه أحد

مع كل ما سبق ..
لعله كان من الألطف أن يخبر الأنصار إخوانهم المهاجرين بما يعتزمون فعله..

فلعلهم ظنوا أن المهاجرين لن يفكروا أصلاً في الخلافة.. لكونها في اعتقادهم من حقهم الكامل.
ولعلهم أرادوا غلق باب الفتنة.. ومنع الجدال بالحسم في هذا الأمر.
ولعلهم رأوا أن المهاجرين مشغولون بتغسيل وتكفين ودفن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
ولم يريدوا أن يشغلوهم بهذا الأمر الذي لهم كما يعتقدون.

المهم أن الأنصار ذهبوا بالفعل أوسهم وخزرجهم إلى سقيفة بني ساعدة..
لتجري عملية انتخاب الخليفة..
وامتلأت السقيفة بوجوه الأنصار من القبليتين الكبيرتين.

أين المهاجرون من هذه الأحداث ؟

فعلاً كان المهاجرون منشغلين بالمصاب الفادح.. في بيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وحوله..
وكانت أمامهم قضايا الغسل، والتكفين، ثم الدفن..
وكانوا مختلفين في قضية الدفن..

أين يدفن (صلى الله عليه وسلم)؟

أفي البقيع؟

أم مع شهداء أحد؟

أم في مكة بلده؟

أم في مكان خاص به؟

حتى جاء أبو بكر الصديق...
وأخبرهم بأنه يجب أن يدفن حيث مات كما أخبره بذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من قبل.

لكن هل كان اجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعدة بهذا العدد الكبير يخفى على المهاجرين؟
لا بالطبع..

رأى أحد الرجال وهو من المهاجرين ..هذا الجمع من الأنصار في السقيفة..
فأسرع إلى بيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
وكان بداخله آنذاك أبو بكر، وعمر، وغيرهم أجمعين..

نادى الرجل على عمر بن الخطاب وقال: اخرج إليَّ يا ابن الخطاب.

قال عمر : إليك عني فإنا عنك مشاغيل.

لكن الرجل أصر على عمر..

فخرج له، فقال الرجل: إنه قد حدث أمر لا بد منك فيه..
إن الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، فأدركوهم قبل أن يحدثوا أمرًا
.

هنا أدرك عمر بن الخطاب خطورة الموقف..
فأسرع إلى الصديق أبي بكر..
وأخبره بالأمر

وقال له: انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار.

فانطلق هو وأبو بكر رضي الله عنهما.

وهنا تتضح حكمة هذين الرجلين فعلاً..
فلولا الإسراع الآن لتأزم الموقف جدًّا..

فلو أحدث الأنصار بيعة لا يرضى عنها المهاجرون..
فإما أن يبايعوا على ما لا يرضون، وإما أن يرفضوا البيعة.. وفي هذا فساد..

وفي الطريق لقيا رجلين صالحيْن من الأنصار القدامى..
ممن شهدوا بيعة العقبة الثانية..
وشهدوا كل معارك رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
هما .. عوين بن ساعدة ، ومعن بن عدي ...

فلما رأيا أن الصديق وعمر ذاهبان إلى السقيفة نصحوهما بألا يقربا السقيفة..
وليقضوا أمرهم -أي المهاجرين- فيما بينهم..
ويبدو أنهما خشيا من حدوث فتنة بين المهاجرين والأنصار فأرادا أن يصرفاهما..

لكن الصديق وعمر أصرا على الذهاب إلى السقيفة..
ثم في الطريق إلى هناك لقيا أبا عبيدة بن الجراح .. وهو رجل من أعاظم المهاجرين ..
فأخذاه معهما إلى سقيفة بني ساعدة..

ومن الواضح أن المهاجرين لا يضمرون في أنفسهم شرًّا..
ولا يعدون تدبيرًا ولا مكيدة..
كما اتهمهم كثير من المستشرقين ، وإلا كيف يذهبون ثلاثة فقط..
ولا يجمعون المهاجرين لأجل هذا الحدث الهام؟

وفي هذه الأثناء..
وقبل وصول المهاجرين إلى السقيفة..
كان الأنصار قد خطوا خطوات هامة في عملية اختيار الخليفة..
لقد اجتمع الأنصار أوسهم وخزرجهم على اختيار سعد بن عبادة زعيمًا للمسلمين..
و سعد بن عبادة هو زعيم الخزرج..
ومع ذلك أيده كل الأوس..
وهذه ولا شك فضيلة إيمانية عالية..



  رد مع اقتباس
[ 11-20-2014 ]   رقم المشاركة 22

 

 

الصورة الرمزية mohamadamin

تاريخ التسجيل: Feb 2009

رقم العضوية: 2643

المشاركات: 513

الدولة/المدينة: عمان- مرج الحمام

الارتفاع عن سطح البحر: 900 - 1000 متر

شكراً: 95
تم شكره 194 مرة في 113 مشاركة

افتراضي رد: ثمــرات .. من حياة الأربعة .. !

اختار الأنصار سعد بن عبادة ..
وكان مريضًا..
ويجلس وهو مزمل بثوبه.. ولا يكاد يسمع صوته...
فأراد أن يتكلم بعد اختياره..
فلم يقدر على إسماع القوم جميعًا..

فكان يبلغ ابنه بالكلام.. ويتحدث ابنه إلى الناس..

فقال سعد بن عبادة بعد أن حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله... يا معشر الأنصار....

ونلاحظ أنه لم يدخل أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بعد.. فليس هناك أحد من المهاجرين.

يقول: لكم سابقة في الدين، وفضيلة في الإسلام، ليست لقبيلة من العرب.

ونلاحظ هنا أنه يرفع شأن الأنصار فوق كل قبائل العرب بما فيها قبائل مكة وفيها قريش..

لماذا؟

هو يفسر في خطبته فيقول: إن محمدًا (صلى الله عليه وسلم) لبث بضع عشر سنة في قومه ..
يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع الأوثان..
فما آمن به من قومه إلا رجال قليل..
ما كانوا يقدرون على أن يمنعوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)...
ولا أن يعزوا دينه..
ولا أن يدفعوا عن أنفسهم ضيمًا عموا به، حتى إذا أراد الله بكم الفضيلة، ساق إليكم الكرامة
.

وهنا ما نسي أن ينسب سعد بن عبادة الفضل لله . يقول: وخصكم بالنعمة، فرزقكم الله الإيمان به، وبرسوله، والمنع له، ولأصحابه والإعزاز له، ولدينه، والجهاد لأعدائه، فكنتم أشد الناس على عدوه منكم، وأثقلهم على عدوه من غيركم.

وطبعًا كلام سعد بن عبادة هنا ...كلام حقيقي وصحيح..
فالمهاجرون في بدر مثلاً كانوا 82 أو83 ....بينما كان الأنصار231 رجلاً.

ثم يكمل سعد بن عبادة خطبته فيقول: حتى استقامت العرب لأمر الله طوعًا وكرهًا، وأعطى البعيد المقادة صاغرًا داخرًا.

أي أن العرب جميعًا سلمت القيادة للمسلمين بفضل الأنصار.

يقول: حتى أغنى الله لرسوله بكم الأرض، ودانت له بأسيافكم العرب.

وهنا سعد بن عبادة ....
وكأنه يشير إلى اعتقاده الراسخ أن العرب ستستهدف الأنصار بعد وفاته (صلى الله عليه وسلم)..
لأن الأنصار هم الذين أرغموا العرب على الاتباع.

ثم يختم سعد بن عبادة خطبته بكلمة جميلة فقال: ثم توفَّى الله رسوله (صلى الله عليه وسلم) ، وهو عنكم راض، وبكم قرير العين.

مع قصر الخطبة في كلماتها إلا أنها كانت تحمل معان عميقة كثيرة..
ويمكن القول إجمالاً أن سعد بن عبادة ذكر مفاخر الأنصار وأفضالهم..
وحب الرسول (صلى الله عليه وسلم) لهم ووضع الأنصار بالنسبة للعرب.

ذكر كل ذلك لهدفين رئيسيين فيما يبدو لي:

الهدف الأول

رفع الحالة المعنوية للأنصار بعد المصاب الفادح بوفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
ونفي الإحباط واليأس..
والدعوة لاستمرار المسيرة كما بدأها.. والثبات على أمر هذا الدين...

الهدف الثاني

التدليل على أحقية الأنصار في الخلافة..
فيما يبدو لهم من حيث إنهم الذين نصروا، وآووا، وقاتلوا العرب، ومكنوا للدين.

وإجمالاً فالخطبة تعبر عن حكمة الصحابي الجليل سعد بن عبادة ..

بعد انتهاء هذه الخطبة الموجزة ..
دخل الصديق أبو بكر ... ومعه عمر بن الخطاب.. وأبو عبيدة بن الجراح....
ورآهم الأنصار..
ويبدو أنهم كانوا لا يتوقعون ظهور المهاجرين الآن..
فهذا قد يعطل البيعة..

نعم..
الأنصار استقروا على سعد بن عبادة..
لكنه لم يبايع بعد..
والأمر عرضة للنقاش الجديد والجدل..
والذين دخلوا من المهاجرين ليسوا رجالاً عاديين..
لقد دخل الصديق أبو بكر الوزير الأول لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
وثاني اثنين..
والصاحب القريب إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..

ومعه عمر بن الخطاب الوزير الثاني لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
والملهم المحدث.. الفاروق..

ومعه أيضًا أمين هذه الأمة أبو عبيدة الجراح..
وإن صح القول فهو في مقام الوزير الثالث لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
لكثرة استشارة الرسول له، والاعتماد عليه في أمور كثيرة..
ولقد مات أبو عبيدة في خلافة عمر ..
ولا شك أنه كان سيدخله في الستة الذين تركهم عمر لينتخبوا من بينهم خليفة.. لو كان حيًّا.

إذن الثلاثة الذين دخلوا على الأنصار هم أصحاب الرأي والمشورة من الصحابة..
ولا شك أنهم يمثلون الآن رأي المهاجرين..

إذن هنا ستحدث مواجهة..
فالأنصار يريدون سعد بن عبادة ..
والمهاجرون لم يفصحوا بعد عن رأيهم..
لكن لعل لهم رأيًا آخر، هنا حدثت لحظة هدوء وترقب..

ترى ماذا سيقول المهاجرون؟

أيقرون بخلافة سعد بن عبادة الأنصاري أم يرشحون خليفة غيره؟

ما حدث في سقيفة بني ساعدة

لنرَ كيف صور عمر بن الخطاب الموقف.. كما جاء في صحيح البخاري ومسلم..

يقول عمر: فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة
فإذا رجل مزمل بين ظهرانيهم
قلت: من هذا؟
قالوا: سعد بن عبادة.


وواضح أنهم قد وضعوه في مكان ما في صدر المجلس..
فلفت نظر عمر بن الخطاب... ولعله أدرك أنه قد رشح بالفعل للخلافة.

يقول عمر: قلت: ما له؟
قالوا: يوعك -أي مريض- ..
فلما جلسنا قليلاً قام خطيبهم.


حدثت لحظة من الصمت..
ثم أدرك الأنصار أن وجود هؤلاء المهاجرين الثلاثة قد يغير من الأمور..
ويحدث ما لا يريدونه..
فقام خطيب الأنصار يريد أن ينهي المسألة قبل أن يتكلم المهاجرون...
وخطيب الأنصار هذا لا نعرف اسمه..
وإن كان ابن حجر يقول في (فتح الباري) أنه من المحتمل أن يكون ثابت بن قيس ..
فهو الذي كان يطلق عليه خطيب الأنصار... والله أعلم بحقيقة الأمر..
المهم أنه أراد أن يتكلم كلامًا فصلاً..

فقال كما في رواية البخاري ومسلم عن عمر: تشهد وأثنى على الله بما هو أهله ثم قال:
أما بعد..
فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام..
وأنتم معشر المهاجرين رهط. وفي رواية أخرى: رهط منا.


هنا بوادر مشكلة..
الخطيب الأنصاري يذكر أن الأنصار هم كتيبة الإسلام وأنصار الله..
بينما المهاجرون رهط.. أي: عدد قليل..
وفي رواية أخرى: رهط منا... أي عدد قليل بالنسبة لنا..
وكأنه التقط أن المهاجرين سيريدون الخلافة فيهم..
فأسرع يبطل حجة المهاجرين بأنهم أعداد قليلة بالنسبة للأنصار...
والأنصاري بالطبع يقصد المهاجرين قبل فتح مكة...
والذين يعيشون في المدينة الآن..

وإلا فلو اعتبروا أعداد القرشيين في مكة.. والذين أسلموا بعد الفتح..
فسيكونون أضعاف وأضعاف الأنصار..
وبذلك فإن الخطيب الأنصاري ذكر هذا الكلام كتلميح..
أن الخلافة يجب أن تكون في العدد الأكبر..
والذي نصر الإسلام في كل المشاهد والمواقع ..
هذا كان من باب التلميح..

ثم إنه بعد ذلك صرح، قال الخطيب الأنصاري: وقد دفت دافة من قومكم -أي جاءت مجموعة قليلة من المهاجرين- فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا -أي يستثنونا من الخلافة في بلادنا- وأن يحصنونا من الأمر -أي يخرجونا منه-

ثم سكت..

لقد صرح الأنصاري الآن بشيء لا بد أن يحدث بعده جدال طويل..
فقد قال صراحة إنكم أيها المهاجرون...
ويقصد أبا بكر وعمر وأبا عبيدة ..
قد جئتم لتخرجونا من أمر هو يرى أنه حق الأنصار..

فكيف يكون هذا؟

وها قد جاء موقف يقول فيه المسلمون: نحن الأنصار، و: نحن المهاجرون.
وهذا أمر خطير..
ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) نهى عن ذلك تمامًا ...
ونهى عن دعوى الجاهلية والقبلية..
ونهى عن فساد ذات البين..
ولا بد من الحكمة الشديدة..
والحرص البالغ في معالجة الموقف وهو ما زال في بدايته..

ويجب أن نلاحظ أن كل هذا الموقف...
يحدث نفس اليوم الذي توفي فيه رسول الله (صلى الله عليه وسلم)... ولم يدفن بعد..!!!!

يقول عمر بن الخطاب : فلما سكت -أي الخطيب الأنصاري- أردت أن أتكلم، وكنت قد زورت مقالة أعجبتني -أي هيأت وحسنت- أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر، فلما أردت أن أتكلم، قال أبو بكر: على رسلك.

أي على مهلك...
يعني أسكته..
يريد أن يتكلم هو ..
ولعله خشي أن يقول عمر كلامًا شديدًا يعقد الموقف...

يقول عمر : فكرهت أن أغضبه، فتكلم أبو بكر فكان هو أحلم مني وأوقر..

وعمر وكذا كل الصحابة... كانوا يجلون أبا بكر إجلالاً كبيرًا...
وكان إذا تكلم أنصتوا..

يقول عمر: فوالله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري، إلا قال في بديهته مثلها، أو أفضل منها.

فماذا قال أبي بكر ؟!



  رد مع اقتباس
[ 11-20-2014 ]   رقم المشاركة 23

 

 

الصورة الرمزية mohamadamin

تاريخ التسجيل: Feb 2009

رقم العضوية: 2643

المشاركات: 513

الدولة/المدينة: عمان- مرج الحمام

الارتفاع عن سطح البحر: 900 - 1000 متر

شكراً: 95
تم شكره 194 مرة في 113 مشاركة

افتراضي رد: ثمــرات .. من حياة الأربعة .. !

كلمة أبي بكر في السقيفة

ماذا قال أبو بكر ....أحكم الأمة بعد نبيها (صلى الله عليه وسلم)؟

لقد قسّم الصديق مقالته إلى ثلاثة أقسام في غاية الحكمة:

أولا

يقول عمر: فلم يدع الصديق شيئًا أنزل في الأنصار، أو ذكره رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلا ذكره..

يعني ذكر كل المديح الذي جاء في الأنصار ..

ثم قال: لقد علمتم أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَ الأَنْصَارُ وَادِيًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ" ، وما ذكرتم فيكم من خير فأنتم أهله، وإنا والله يا معشر الأنصار ما ننكر فضلكم، ولا بلاءكم في الإسلام، ولا حقكم الواجب علينا.

بهذه المقدمة اللطيفة احتوى الصديق الأنصار...
وأشاع جوًّا من السكينة في السقيفة...
ووسع في صدر الأنصار..
وأعطى لكل ذي قدر قدره..
هذا كله دون كذب ولا نفاق، إنما ذكر الحق الذي ذكره الله ...
ورسوله الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم)..

ثانيا

أما وقد سكنت النفوس..
فليذكر الحق الذي لا بد منه..

قال الصديق : ولكن العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، وهم أوسط العرب دارًا وأنسابًا.

والصديق هنا يحاول أن يوضح بهدوء للأنصار ..
أن الحكمة تقتضي أن تكون الخلافة في قريش...

لماذا؟

لأن العرب لن تسمع وتطيع إلا لهم..
فمنهم النبي (صلى الله عليه وسلم)...
وقريش أوسط العرب نسبًا وأكثر العرب قربًا لقلوب العرب..لمكانة مكة الدينية في قلوب الناس..

فإذا كان الخليفة من قريش ...اجتمع العرب عليه مهما اختلفت قبائلهم..
وإن كان من غيرهم لم يقبلوا به مهما كان هذا الخليفة رجلاً صالحًا عادلاً تقيًّا..
إذن ليست القضية تقليلاً أو تهميشًا للأنصار..
فإنهم فعلاً أهل الفضل...وأنصار الإسلام ...
وليست القضية هي حكم المدينة المنورة فقط حتى نختار حاكمًا من أهلها عليها..
لكن يجب أن يوسع الأنصار مداركهم..
ليفقهوا أن هذا الخليفة المنتخب يجب أن يسمع له ويطيع كل العرب.. ثم كل الأرض بعد ذلك..

وحتى بفرض أن الأنصار اختارت رجلاً ..هو أتقى وأفضل من رجل المهاجرين..
أفليس من الحكمة أن يتولى الأصلح الذي يجتمع عليه الناس جميعًا؟

ليس هذا أبدًا من باب القبلية والعنصرية.. ولكنه من باب فقه الواقع..
والواقع يملي شروطه أن الخليفة يجب أن يكون من قريش..
وبالذات في ذلك الزمان..

ثم أليس في المهاجرين من يساوي في الفضل أو يفوق سعد بن عبادة وعن الصحابة أجمعين؟

لا شك أن طائفة المهاجرين مليئة بأصحاب الفضل، والرأي، والحكمة، والتقوى...

إذن هذا طرح جديد يقوم به الصديق ..
أن يكون الخليفة من قريش، وهو رأي منطقي ومعقول، وله أبعاده العميقة.

ثالثا

يكمل الصديق كلمته بالمحور الثالث..
فألقى جملة رائعة..

قال الصديق: وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيهما شئتم.

فأخذ بيد عمر بن الخطاب وبيد أبي عبيدة بن الجراح..، وهو جالس بينهما..!

فالصديق يقصد أنه ما طرح فكرة أن يكون الخليفة من قريش طمعًا في الخلافة..
ومع كونه أفضل المهاجرين..
بل أفضل المسلمين بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
إلا أنه يقدم أحد الرجلين عمر وأبا عبيدة بن الجراح...
وذلك زهدًا في الخلافة.. وبعدًا عن الدنيا..

فأبو بكر لم يكن يريد الخلافة كما يظن البعض فيتهمونه من أنه احتكرها لنفسه ..
وهو لا يقول هذا الكلام من باب السياسة أو الحكمة... أبدًا..
لأننا لو تتبعنا سيرته لعرفنا أنه صادق في عرضه..
وأنه ما رغب في إمارة..
ولا سعى إليها..


فلما رشح الصديق عمر وأبا عبيدة للخلافة..

ماذا كان رد فعلهما؟

يعلق عمر على كلام الصديق بترشيحه، فيقول: فلم أكره مما قال غيرها، والله لأن أقدم فتضرب عنقي، لا يكون في ذلك من إثم، أحب إليّ من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر...!

وهكذا كان ابن الخطاب دائمًا يعرف للصديق فضله..
ويتمنى صادقًا أن يموت في غير معصية..
ولا أن يُقَدّم على الصديق..

فأيّ مجتمع عظيم هذا الذي يهرب فيه المرشحون بعيدًا عن الرئاسة؟

الآن أصبح هناك رأيان...

رأي يؤيد مرشحًا من الأنصار... ويقف وراءه معظم رءوس الأنصار في المدينة..
ورأي يؤيد مرشحًا من قريش ..ويقف وراءه 3 فقط من المهاجرين..


وكل له حجته ومنطقه..
وهذا ليس خلافًا بسيطًا عابرًا..
بل هو خلاف على ملك ورئاسة وسلطان..

فلننظر إلى جيل القدوة كيف يتعامل مع اختلاف وجهات النظر..؟!

قام الحباب بن المنذر...
ولو نتذكر... فالحباب بن المنذر هو الذي أشار على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ..
بموقع المعركة في بدر..
بعد أن نزل الرسول (صلى الله عليه وسلم) في منزل آخر..
فوافقه (صلى الله عليه وسلم)..
ثم أشار عليه ثانية في خيبر بمكان نزل فيه المسلمون كذلك..
ولهذا فهو يُعرف بين الصحابة بـ (ذي الرأي)..

قام الحباب بن المنذر يعرض رأيًا ...رأى أنه رأي متوسط بين الرأيين..
أي كما يقولون حلاًّ يُرضي جميع الأطراف..

قال: أنا جذيلها المحكك.. وعذيقها المرجب...

الجذيل: هو عود ينصب للإبل لتحتك به إذا كان بها جرب...
والمحكك أي: كثيرًا ما يحتك به..
والمعنى أنه كثيرًا ما يحتكون به لرأيه ومشورته.

والعذيق: النخلة، تصغير عذق.
المرجب أي: الذي يدعم النخلة إذا ثقل حملها.
والمعنى أنه يُعتمد عليه..

ثم قال.. منا أمير، ومنكم أمير.

أي أنه يريد اختيار أميرين..
أمير من الأنصار على الأنصار..
وأمير من المهاجرين على المهاجرين..

أو يختار أميران تكون لهما القيادة على دولة الإسلام سويًّا..

وهناك أكثر من ملاحظة على رأي الحباب ..

(1) هذا تنازل سريع من الأنصار على موقفهم من اختيار الخليفة..
فمنذ قليل كان الخليفة المختار سعد بن عبادة ..
ثم ها هم الأنصار بكلمات قلائل من الصديق يتنازلون عن نصف الخلافة..
فهي محاولة صادقة لتقريب وجهات النظر.. والالتقاء في منتصف الطريق.

(2) أنه بعد أن قال: منا أمير، ومنكم أمير...
أضاف قولاً آخر أخرجه ابن سعد بسند صحيح كما قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري..

أضاف الحباب: فإنا والله ما ننفس عليكم هذا الأمر، ولكنا نخاف أن يليها أقوام قتلنا آباءهم وإخوتهم.

يقصد أن الأنصار في الغزوات المتتالية ...
قتلوا عددًا كبيرًا من أهل مكة من القريشيين...
وسيترك ذلك ثأرًا في قلوب قريش..
فإن تولى القرشيون الخلافة ...انتقموا من الأنصار..
وهذا يضيف عاملاً آخر إلى جوار العوامل التي وضعها الأنصار في حساباتهم ..
عند اجتماعهم لاختيار الخليفة ..

يعلق الخطابي رحمه الله على ذلك فيقول: إن العرب لم تكن تعرف السيادة على قوم إلا لمن يكون منهم، فالأنصار يستغربون كعامة العرب، أن يكون عليهم أمير من غيرهم.

وهذا صحيح لمن يعرف أحوال العرب قبل الإسلام..
فمهما صغرت القبيلة... فإن رئيسها يكون منها..

لكن قَبِل الجميع برسول الله (صلى الله عليه وسلم) لأنه كان نبيًّا..
وكانت القبلية معوقًا رئيسيًّا لكثير من الناس في دخول الإسلام..
نعم جاء الإسلام وألغى القبيلة..
لكن هذه كانت قواعد إدارة البلاد منذ سنوات معدودات..
ولا ننسى أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما مات إلا منذ سويعات قلائل..

إذن .. أن ما جعل الأنصار يقول هذا القول... ليس الحقد على المهاجرين..
لكن لخوفهم من نظام جديد قد تكون فيه خطورة على حياتهم جميعًا.

(3) بصرف النظر عن الخلفيات وراء كلام الحباب..
فأين الحكمة أن يتولى الخلافة رجلان؟!
فمن المستحيل أن تدار البلد بخليفتين..
بل إن هذا أمرًا منهي عنه في الشرع في منتهى الوضوح وفي منتهى الصرامة..
كما في حديث رواه مسلم ..

"وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُعْطِهِ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ، فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ"

ومن ثم فالحباب بن منذر إما لم يصله هذا الحكم ولا يعرفه..
وإما أنه أراد أن ينسحب الأنصار من الخلافة..لكن بأسلوب متدرج..
منعًا لإحراج كبيرهم سعد بن عبادة..

وإن كان هذا الحكم الشرعي قد خفي عن أحدهم ..

فلم يخف عن عمر الذي قال .. إنه لا يصلح سيفان في غمد واحد.

فقال خطيب الأنصار.... إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان إذا استعمل رجلاً منكم، قرنه برجل منا، فتبايعوا على ذلك.

قام عمر مرة ثانية وقال: هيهات، لا يجتمع اثنان في قرن، والله لا ترضى العرب أن يؤمروكم، ونبيها من غيركم، ولكن العرب لا تمتنع أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم، ولنا بذلك على من أبى من العرب الحجة الظاهرة، والسلطان المبين.

ثم قال: من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته، ونحن أولياؤه، وعشيرته، إلا مدل بباطل، أو متجانف لإثم، أو متورط في هلكة.

ونلاحظ هنا أن عمر بدأ يحتد..
ومن المؤكد أن صوته قد ارتفع ولو قليلا..
والكلام الذي قاله يحتمل معانٍ كثيرة..
فهو يقول أنه لا أحد من العرب يستطيع أن ينازع عشيرة محمد (صلى الله عليه وسلم) الإمارة..
والأنصار من العرب.. وهي داخلة في الكلمة العامة التي قالها الفاروق ..
وإذا أصرت قد تورط نفسها في هلكة ..!

هنا تكلم أحد الأنصار لم تذكر الروايات اسمه ..كما جاء في مسند الإمام أحمد بسند صحيح..

ونلاحظ في كلام الأنصاري الأتي تنازلاً جديدًا، قال: إذن أولاً نختار رجلاً من المهاجرين، وإذا مات اخترنا رجلاً من الأنصار، فإذا مات اخترنا رجلاً من المهاجرين، كذلك أبدًا.

ونلاحظ أنه يقدم بيعة المهاجرين...

ثم هو يريد أن يدلل على كلامه... ويؤكد فيقول: فيكون أجدر أن يشفق القرشي إذا زاغ، أن ينقض عليه الأنصاري، وكذلك الأنصاري إذا زاغ أن ينقض عليه القرشي.

وهذا وإن كان ظاهره أنه سيحل الموقف الآن باختيار خليفة من المهاجرين..
إلا أنه سيؤجل الفتنة عدة سنوات أو شهور...لكنها ستحدث حتمًا..
فقد يدخل الشيطان بين الفريقين لتبادل السلطة..
والأكثر من ذلك أن العرب مستقبلاً بعد موت الخليفة الأول..
لن ترضى بالخليفة الأنصاري الجديد.. ومن ثم فهذا الرأي أيضًا لا يقبل.

وقف أيضًا عمر وكان شديدًا في الحق حريصًا على الوضوح..
بعيدًا كل البعد عن تمييع الأمور... أو دفن النار تحت الرماد..

قال في قوة وحدّة: لا والله، لا يخالفنا أحد إلا قتلناه.

طبعًا هذه الكلمة شديدة..
ومن المؤكد أنها أثارت الأنصار في ساعتها..
لكن عمر يريد أن يوضح الأمور على حقيقتها..
إن كانت الخلافة فعلاً من حق قريش... فالذي سينازعهم فيها لا بد أن يقتل شرعًا..
فإذا كانت العرب جميعًا ستبايع القرشيين ولن تبايع الأنصار..
فالاجتماع على القرشيين واجب..
وهنا تكون مطالبة الأنصار بالإمارة مخالفة شرعية..
لأنها ستقود إلى الفرقة والفتنة.. والفتنة أشد من القتل..

لذلك شرع الرسول (صلى الله عليه وسلم) قتل الخليفة الآخر..
إذا بويع للأول واجتمع الناس عليه.. وكان مقيمًا لشرع الله غير مبدل ولا محرف.

ومن المؤكد أن حدة عمر قد أثارت بعض الأنصار..
فالنفس العربية بصفة عامة لا تقبل التهديد..
وبالذات لو كانت هذه النفس لفارس من الفرسان ..

فقام فارس الأنصار الحباب بن المنذر وأعاد وكرر رأيه: منا أمير، ومنكم أمير. !!

وكأن كلام عمر ليس موجودا ..

فلقد استفزته كلمات الفاروق .. ولم يكتف بذلك..

بل قال كلمة أحسبها أفلتت منه قال: وإن شئتم كررناها خدعة.

أي أعدنا الحرب من جديد... !

الله أكبر .. !

أمر خطير..

فارتفعت الأصوات... وكثر اللغط....

ونلاحظ أنه مع كل هذا الحوار والجدل...
فإننا لم نسمع سعد بن عبادة ولا مرة ...منذ دخل المهاجرون في أول اللقاء..
لم يطلب لنفسه..
ولم يبرر..
ولم يقل قد بايعني قومي..

ثم لو نلاحظ أن الأنصار مع كل هذا الحوار الطويل..
لم يذكروا ولو مرة واحدة منًّا على المهاجرين.. ولا تفضلاً عليهم..
ولم يقولوا مثلاً: جئتمونا مطرودين فآويناكم، فقراء فأغنيناكم، محتاجين فأعطيناكم.

وهذا كله واقع صحيح...لكن أدب وخلق الأنصار أغلق أبواب الشيطان..

كما نلاحظ أيضًا أن المهاجرين لما طلبوا الإمارة فيهم..
لم يقولوا ولو لمرة واحدة أنهم أفضل من الأنصار..
أو أن كفاءتهم القيادية أو الإدارية أو الأخلاقية أو الروحية أكبر من كفاءة الأنصار.. أبدًا..

كل ما يريدون ترسيخه هو فقه الواقع..
الواقع سواء كان حلوًا أو مرًّا..
الذي يقضي بأن العرب لن تطيع إلا لقريش الآن..
وبعد 10 سنين وبعد 100 سنة .. لن تطيع العرب إلا لقريش ..
وما دام الواقع لم يحل حرامًا أو يحرم حلالاً..
فلا بد من مراعاته..

ولأن يجتمع المسلمون على رجل مرجوح أو أقل صلاحًا..
خير من أن يفترقوا على رجل راجح أو أكثر صلاحًا...

هذه هي المعاني التي كان يدافع عنها المهاجرون الثلاثة..



  رد مع اقتباس
[ 11-20-2014 ]   رقم المشاركة 24

 

 

الصورة الرمزية mohamadamin

تاريخ التسجيل: Feb 2009

رقم العضوية: 2643

المشاركات: 513

الدولة/المدينة: عمان- مرج الحمام

الارتفاع عن سطح البحر: 900 - 1000 متر

شكراً: 95
تم شكره 194 مرة في 113 مشاركة

افتراضي رد: ثمــرات .. من حياة الأربعة .. !

بين أبي بكر الصديق وسعد بن عبادة

قام زيد بن ثابت الأنصاري فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان من المهاجرين، وإن الإمام إنما يكون من المهاجرين، ونحن أنصاره كما كنا أنصار رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..

وأضحى الناس جميعًا يتكلمون في هذا الاتجاه...

لكن سعد بن عبادة لم ينطق بعد..
وموقفه حرج جدًّا...
فمنذ ساعة أو ساعتين كان مرشحًا للخلافة..
وكان ذلك في ظنه وظن الأنصار في حكم المؤكد..
والآن الوضع ينقلب 180 درجة..
ولا بد أنه الآن يفكر ويفكر..
ويعقد الموازنات..
ويقارن الحجج والأدلة..
ويشاور عقله وقلبه..
ولا بد أن هناك صراعًا نفسيًّا داخليًّا في داخله...


أتراهم فعلاً على حق يستنبطون أن الخليفة من قريش..
أم يكون الرأي الصائب هو رأي الأنصار الأول؟

أفكار متزاحمة..
والرجل مريض....ومرهق.. ولا بد أن في داخله حيرة..

والصديق يرقب الموقف في ذكاء.. ويتابع الأحداث في فطنة لا تخلو من روية..
وقد وضح أن الأنصار قد اقتنعوا عقليًّا وقلبيًّا بأن المصلحة العليا للأمة ..
تقتضي أن يكون الخليفة من المهاجرين.. وبالذات من قريش..

فماذا حصل ؟!

في هذا الوقت الذي قامت فيه الأدلة... وتظاهرت على إقناع الأنصار..
قام الصديق ...فكشف الورقة الأخيرة في جعبته..
وألقى بالدليل الدافع والحجة الظاهرة البينة التي ما تركت شكًّا في قلب أحد...
ولا أبقت ريبة في نفس أنصاري أو مهاجري..

كلمات معدودات ...لكن أثقل من الذهب..

قال الصديق : لقد علمت يا سعد (سعد بن عبادة) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال وأنت قاعد "قُرَيْشٌ وُلاةُ هَذَا الأَمْرِ، فَبَرُّ النَّاسِ تَبَعٌ لِبَرِّهِمْ، وَفَاجِرُ النَّاسِ تَبَعٌ لَفَاجِرِهِمْ"..

فهو هنا يُذكّر سعد بن عبادة بشيء من الواضح أن سعد نساه..
إما لبعد الفترة..
وإما لعدم فقه الحديث..
وإما للحزن على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
وإما للمرض.. أو لغيره من الأسباب..
وهاهنا هو يذكره بقانون وضعه (صلى الله عليه وسلم)... قانون صريح جدا ..

فقال سعد كلمة عجيبة في بساطة غريبة، قال: صدقت، أنتم الأمراء، ونحن الوزراء.

!!!!

الله أكبر .. !

أي قلوب ٍ حمل هؤلاء .. !

وأي حب لله ولرسوله (صلى الله عليه وسلم) !

وهكذا في بساطة...
قطع سعد بن عبادة رأس الأنصار وكبيرهم وزعيمهم والمرشح الأول للخلافة ..
قطع بخلافة قريش دون الأنصار..

وهدأت السقيفة...

لنا على هذا الحدث الفريد عدة تعليقات:

فالحديث الذي ذكره الصديق....هو تشريع واضح من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
والأمر الذي فيه تشريع ليس فيه اجتهاد..
هو فارق ضخم هائل بين الشورى وبين الديمقراطية..

فالديمقراطية هي حكم الشعب للشعب..
بمعنى أنه لو اجتمع الشعب على حكم صار تشريعًا يطبق عليه..
خالف أو لم يخالف كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وسلم)..

بينما الشورى في الإسلام لا تكون إلا في الأمور التي لم يرد فيها تحليل معروف أو تحريم معروف..
فلا يجوز مثلاً أن يجتمع المسلمون ليتشاوروا أيبيعون الخمر أم لا يبيعونه؟
أيسمحون بالربا أو لا يسمحون به؟
أيشرعون الزنا أم لا يشرعونه؟
وهنا في هذا الموقف في السقيفة..
شرعا .. لا يجوز اختيار رجل من غير قريش حتى وإن وافق المهاجرون ووافق الأنصار..
فالأمر خرج من أيديهم إلى يد الله... ورسوله محمد (صلى الله عليه وسلم)..

(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ
وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا)


وأحيانًا..
يظن الناس أن الخير في مخالفة الشرع في موقف من المواقف.. لاعتبارات كثيرة..
لكن هذا قصور في الرؤية... وضعف في الإيمان.. وشك في كلمة التشريع..

وكما نرى في عقب الآية أعلاه ..

(وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا)

ولا شك أن المسلمين لو اختاروا رجلاً من غير قريش في هذا الاجتماع..
لكان الضلال المبين بعينه..
لكن الله عصمهم من هذا الزلل..
ومَنّ عليهم باتباع الشرع واليقين فيه..

والله أعلم كيف كان سيكون حال الأمة..لو تولى أمرها رجل من خارج قريش..!

وها قد مرت الأيام..
ورأينا الخير الذي كان في خلافة الصديق ...
وكيف الله ثبّت به الأمة ..ووطد أركان الدين ...ونشر كلمة التوحيد ..وأعلى شأن المؤمنين؟

وهذا كله ولا شك من بركات اتباع الشرع... واقتفاء آثار الرسول العظيم محمد (صلى الله عليه وسلم)..

والله لا يطلب من المؤمنين اتباع الشرع فقط..
بل والتسليم القلبي والوجداني له..
بمعنى أن ترضى.. ترضى رضًا حقيقيًّا بما اختاره الله لك وللأمة..
وبما شرعه الله لك وللأمة..
حتى وإن لم تكن ترى الحكمة بع****..

(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)

وهذا ما رأيناه في السقيفة...
رأينا حكم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بين الناس..
مع أنه قد فارق الأرض بجسده..
لكن ما زالت كلماته باقية..
وما زالت حكمته باقية..
وما زال شرعه باق..

ورأينا في السقيفة غياب الحرج من نفوس الصحابة ..
عند سماع كلام رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
وحكم الرسول (صلى الله عليه وسلم)..

ورأينا التسليم الكامل المطلق ..

ورأينا تحقيق كلام أبي بكر مصباح وفاته (صلى الله عليه وسلم).. من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات .. ومن كان يعبد الله فإن الله حي لايموت ..

إذن ولاية قريش للخلافة تشريع عند المسلمين...
وفي ذلك أحاديث كثيرة ..

ففي البخاري عن أبي هريرة عنه (صلى الله عليه وسلم)..

"النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ، مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمهم، وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ"..

وروى البخاري عن معاوية بن أبي سفيان عنه (صلى الله عليه وسلم)..

"هَذَا الأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ لا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلاَّ أَكَبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ"

مع أن معاوية وأبي هريرة لم يكونا حاضرين في السقيفة..

لكن يبدو أن مصيبتهم في وفاته (صلى الله عليه وسلم) .. أنستهم هذه الأحاديث النبوية ..
لكن عندما قام بتذكيرهم أحد الصحابة مهاجرا كان أم أنصاريا ..
لم يعترض عليه أحد .. وكأنهم واثقين من صحة الحديث ..

وذكر الإمام النووي مثلاً ....في شرح الأحاديث وأشباهها دليل ظاهر على أن الخلافة مختصة بقريش، لا يجوز عقدها لأحد من غيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة، وكذلك بعدهم، ومن خالف فيه من أهل البدع، فهو محجوج بإجماع الصحابة والتابعين..

وقال القاضي عياض رحمه الله في كتاب الأحكام السلطانية: اشتراط كونه قرشيًّا، هو مذهب العلماء كافة.

وذكر أيضًا الإمام ابن حجر العسقلاني في فتح الباري أن القرشية شرط في خليفة المسلمين..

وذكر القرطبي رحمه الله أنه لا تنعقد الإمامة الكبرى إلا لقريش مهما وجد منهم أحد..

لكن مع كل ما سبق ..
فإن هذه الأحاديث التي جعلت الإمامة في قريش ...
لا تجعل هذا أمرًا مطلقًا بل تقيده بشيء هام..
وهو كما جاء في رواية البخاري عن معاوية: "مَا أَقَامُوا الدِّينَ"..
وكما جاء في رواية عن أبي بكر: "مَا أَطَاعُوا اللَّهَ وَاسْتَقَامُوا عَلَى أَمْرِهِ"..

وكما جاء في رواية الإمام أحمد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..

"الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ، إِنَّ لَهُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، وَلَكُمْ عَلَيْهِمْ حَقًّا مِثْلَ ذَلِكَ، مَا إِنِ اسْتُرْحِمُوا، فَرَحِمُوا، وَإِنْ عَاهَدُوا وَفَوْا، وَإِنْ حَكَمُوا عَدَلُوا، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ".

إذن هذه شروط إن لم يحكم بها القرشيون وزاغوا عنها..
ولم يتبعوا شرع الله فلا طاعة لهم ولا إمرة...

وهو أمر هام في قضية الأئمة من قريش..
لأن القرشيين كانوا معروفين في صدر الإسلام ولفترة بعده..
ثم حدثت الفتوح الإسلامية..
وخرج القرشيون وبقية العرب من الجزيرة العربية ..
واستقر كثير منهم في كل بقاع الأرض..
في الشام وآسيا وشمال إفريقيا والأندلس وغيرها..

وهكذا توزعت قريش في أنحاء الأرض..
ومع مرور الوقت نسي هؤلاء نسبتهم..
وبالذات أولئك الذين يعيشون في المدن..
فأصبحت مشكلة واضحة أن تعرف القرشيين الآن..

أضف إلى ذلك ..
أن كثيرًا من غير القرشيين هاجر وعاش في الجزيرة ..
ومع مرور الوقت أيضًا اختلطت الأنساب وازدادت المشكلة تعقيدًا..
وزاد الموقف صعوبة بعد ذلك ..
أن هناك كثيرين ادعوا النسب إلى قريش...
بل إلى آل البيت وليسوا منهم..
ووضعوا شجرات نسب تبين هذا الانتساب..
حتى أصبح من العسير التمييز بين الأصول الصحيحة من غيرها..

فهل تركنا الشرع دون طريق ؟!

حاشا لله

(اليَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ)

فهناك قاعدة إسلامية أصيلة ..
رواها البخاري عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..

"اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، كَأَنَّ رَأَسَهُ زَبِيبَةٌ، مَا أَقَامَ فِيكُمْ كِتَابَ اللَّهِ"

وهذا ما استند عليه العثمانيون مثلاً في خلافتهم للمسلمين..
وهو سند صحيح..
صحت به خلافتهم ما داموا يحكمون بكتاب الله ...
وجمعوا فيه الأمة في وقت كانت القوة والغلبة والسمع والطاعة لهم..
وهو المقصود من الخلافة ...
جمع الأمة تحت راية كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)..

إذن خلاصة هذه النقطة..
أن الصحابة جميعًا انصاعوا تمامًا لحديث أبي بكر الصديق..

لماذا؟

لأنه تشريع..

وسكنت السقيفة وذهب الخلاف ...واستقر الناس على قريش..



  رد مع اقتباس
[ 11-20-2014 ]   رقم المشاركة 25

 

 

الصورة الرمزية mohamadamin

تاريخ التسجيل: Feb 2009

رقم العضوية: 2643

المشاركات: 513

الدولة/المدينة: عمان- مرج الحمام

الارتفاع عن سطح البحر: 900 - 1000 متر

شكراً: 95
تم شكره 194 مرة في 113 مشاركة

افتراضي رد: ثمــرات .. من حياة الأربعة .. !

استخلاف ابو بكر الصديق

استقر الصحابة في حوارهم كما ذكرنا على أن الخلافة ستكون في قريش...
وهذه خطوة عظيمة للوصول إلى الخليفة...
لكن ما زال هناك خطوات وخطوات..
فقريش قبيلة عريقة بالبطون الشريفة..
ففي أي بطن ستكون الخلافة..
ثم إن المهاجرين بالآلاف...
والرجال الذين يستطيعون إدارة الأمة أكثر مما يتخيل الإنسان..
فكل رجل من المهاجرين أمة..

فمَن مِن هؤلاء سيتولى هذه الخلافة..
وقد نتخيل أن الأمر شاق..
وعسير..

لكن فلننظر ماذا حدث؟

قال الصديق لعمر ... ابسط يدك نبايع لك...

فقال عمر: أنت أفضل مني...

قال أبو بكر: أنت أقوى مني...

قال عمر: فإن قوتي لك مع فضلك...

سبحان الله ... !

أيُ مجتمع هذا الذي ينفر فيه كل رجل من الإمارة؟

ونحن نرى اليوم بعض الإخوة الملتزمين..
ويفترض أنهم مدركين للدين جيدًا..
لكنهم يختلفون فيما بينهم على إمامة مسجد..
أو إمامة في صلاة..
فماذا سيكون حالهم لو كانت إمامة أمة؟!

ثم تقدم أبو عبيدة بن الجراح الأمين وقال: لا ينبغي لأحد بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يكون فوقك يا أبا بكر، أنت صاحب الغار مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، وثاني اثنين، وأمّرك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حيث اشتكى فصليت بالناس، فأنت أحق الناس بهذا الأمر؟

وروى النسائي والحاكم ..

أن عمر قال للناس: ألستم تعلمون أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قدّم أبا بكر للصلاة؟
قالوا: بلى...
قال: فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم مَن قدّمه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ؟
قالوا: لا أحد، معاذ الله أن نتقدم على أبي بكر.


هنا وثب عمر ... فأخذ بيد أبي بكر في حسم واضح للمشكلة..

وبايع الصديق على الخلافة، وطلب البيعة له من الحضور ..

فماذا حدث؟

قام أنصاريان .. أسيد بن حضير وبشير بن سعد يستبقان للبيعة..
ووثب أهل السقيفة للبيعة..
وبايع الحباب بن المنذر ...
وبايع ثابت بن قيس ...
وبايع زيد بن ثابت...
وبايع كل الأنصار في السقيفة....

إلا سعد بن عبادة .... وحتى لا يذهب الذهن بعيدًا..
فإن سعد بن عبادة بايع بعد أيام قلائل من يوم السقيفة..
وما منعه من البيعة في اليوم الأول إلا حراجة موقفه...
فقد كان مبايعًا للخلافة قبل مبايعة أبي بكر بوقت قصير..
كما أنه لا يستطيع حراكًا لمرضه..
ويحسب له أن أخذ الموضوع في هدوء يحسد عليه..
ولم يتكلم بكلمة..
ولم يظهر منه في خلافة الصديق أي اعتراض على إمارته..
بل إنه خرج بإذنه إلى الشام مجاهدًا حيث استشهد هناك....!

وهكذا في يوم السقيفة ..
تمت البيعة لأبي بكر الصديق بإجماع قلما يتكرر في التاريخ..
وبآداب من المستحيل أن توجد في أمة غير أمة الإسلام..

هذا تاريخكم...

تطلعوا حولكم... وشاهدوا في كل بلاد العالم... كيف يكون الصراع على السلطة؟

آخر ما سمعت هو نصف مليون قتيل في صراعات على السلطة في أنجولا..
وها نحن نرى ما يحدث في معظم بلاد العالم اليوم..

ثم انظر ما يحدث أيضًا في البلاد التي يطلقون بلادًا حضارية متقدمة..

أليست البرامج الانتخابية تشمل في الأساس محورين رئيسين:

المحور الأول: شكر في الذات... واستعراض للقدرات.
والمحور الثاني: محاولة التعريض والسب والقذف والفضيحة بالنسبة للطرف الآخر.

ألا يبحث كل مرشح عن عيوب غيره...ليبرزها للناس فيسجل بها نقاطًا لصالحه؟

ألا تسمعون عن تزييف..وتزوير.. ومكيدة؟

ألا تسمعون عن قهر وتعذيب وظلم وبهتان؟

قارن بين ما رأيت في سقيفة بني ساعدة..
وما ترى في أي سقيفة في العالم اليوم..
وستدرك لا محالة عظمة هذا الدين ورقي هذا التشريع.

ولاحظنا في هذه البيعة أنه لم يحضرها أحد من المهاجرين إلا الثلاثة الذين ذكرناهم ..
كما لم يحضرها عامة الأنصار..
بل حضرها رءوس القوم..

لذلك ففي اليوم التالي ذهب أبو بكر إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)...
ودعا عامة الناس وخاصتهم من الذين لم يبايعوا بعد..
حتى يبايعوا الصديق مبايعة عامة..
ولم يتخلف عن هذا اللقاء إلا الذين كانوا مشغولين بتجهيز رسول الله (صلى الله عليه وسلم) للدفن..

وهم أهل بيت النبي : علي بن أبي طالب والعباس .. والزبير بن العوام ..

الجميع يبايع الصديق

في اليوم الثاني ...صعد أبو بكر المنبر..
ووقف عمر بن الخطاب يكلم الناس قبل أبي بكر... ويقدمه إليهم..

فقال بعد أن حمد الله .. وأثنى عليه: أيها الناس قد كنت قلت لكم بالأمس مقالة، ما كانت إلا عن رأيي.

يقصد مقالة أن رسول الله ما مات...
لكن ذهب للقاء ربه كما ذهب موسى...
وجميل جدًّا أن يعترف الإنسان بأخطائه أمام الناس... وهذا من عظمة الصحابة.

ثم يكمل: وما وجدتها في كتاب الله ، ولا كانت عهدًا عهده إليّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، ولكني كنت أرى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سيدبر أمرنا حتى يكون آخرنا.

أي أنه كان يعتقد أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) سيكون آخر من يموت في هذا الجيل...
لكن الله شاء أن يموت..
حتى يدير هؤلاء الأخيار الأمور بدون رسول..
فيكونون نبراسًا لمن بعدهم..
وهو اعتذار لطيف عما بدر منه أمس..
فعمر قدوة وقد يتأثر به الناس.

ثم قال عمر : وإن الله قد أبقى معكم كتاب الله الذي به هدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فإن اعتصمتم به هداكم لما كان هداه له، وإن الله قد جمع أمركم على خيركم، صاحب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، وثاني اثنين إذ هما في الغار، وأولى الناس بأموركم، فقوموا فبايعوه.

فقام الناس جميعًا من المهاجرين، والأنصار ...
وبايعوا أبا بكر الصديق على الخلافة.. في إجماع عجيب..

ثم قام الصديق ...وخطب خطبته المشهورة الرائعة..

ثم بعد الانتهاء من دفن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
جاء الزبير بن العوام ...
وبايع أبا بكر الصديق..

ثم جاء علي بن أبي طالب ..
كما روى ابن سعد، والحاكم والبيهقي..
وبايع في هذا اليوم الثاني.. وهذا هام جدًّا..
لأن كثير من الناس... وخاصة البعض من الشيعة يطعنون في بيعة علي للصديق ...
ويصرون على أنها تأخرت 6 شهور كاملة بعد وفاة السيدة فاطمة ..

وسنأتي إن شاء الله إلى تحليل موقف علي بالتفصيل فيما بعد..
ثم بعد أيام قليلة جاء سعد بن عبادة وبايع الصديق على الخلافة.
إذن اجتمعت المدينة بأسرها على خلافة الصديق ...

واستقرت الأوضاع..
واجتمع الناس على قلب رجل واحد..
كل هذا والمسلمون مصابون بمصيبة هي الأعظم في تاريخهم..
مصيبة موت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..

لكن هذا المصاب ما عطل شرعًا..
ولا أذهب عقلاً..
ولا أوقف حياة..
لا بد للحياة أن تسير..
وعلى الوجه الذي أراده الله .. ورسوله (صلى الله عليه وسلم)..



  رد مع اقتباس
[ 11-20-2014 ]   رقم المشاركة 26

 

 

الصورة الرمزية mohamadamin

تاريخ التسجيل: Feb 2009

رقم العضوية: 2643

المشاركات: 513

الدولة/المدينة: عمان- مرج الحمام

الارتفاع عن سطح البحر: 900 - 1000 متر

شكراً: 95
تم شكره 194 مرة في 113 مشاركة

افتراضي رد: ثمــرات .. من حياة الأربعة .. !

مسألة غضب علي والزبير يوم المبايعة

تذكر إحدى الروايات ..
أن عليًّا والزبير غضبا يوم المبايعة.. والرواية صحيحة..
وفعلاً غضب علي ، وغضب الزبير ..

لكن لماذا غضبا؟

أشاعت فئة من الناس أن هذا كان بسبب اختيار أبي بكر الصديق ..
وكانا يريان أن غيره أفضل...
وطبعًا المقصود بغيره هو علي بن أبي طالب ..

لكن بالرجوع إلى نفس الرواية التي ذكرت غضبهما ..
نجد أنها فسرت الغضب على محمل آخر.. ومحمل مقبول..
لكن المغرضين أخذوا ما يناسبهم من الرواية وتركوا بقيتها..

روى الحاكم وموسى بن عقبة في مغازيه..عن عبد الرحمن بن عوف بسند صحيح كما صححه ابن كثير..قال علي: ما غضبنا إلا لأنا أُخِرنا عن المشورة، وإنا نرى أن أبا بكر أحق الناس بها، إنه لصاحب الغار، وإنا لنعرف شرفه وخبره، ولقد أمره رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يصلي بالناس وهو حي.

إذن غضب علي والزبير رضي الله عنهما كان...
لأن مشورة اختيار الخليفة تمت في غيابهما.. وهو أمر مفهوم ومقبول..
ومن الطبيعي أن يغضبا لذلك..
بل من الطبيعي أن يغضب بقية المهاجرين لهذا الأمر..
لأنهم جميعًا لم يحضروا هذا الحدث الهام..

ولا شك أن كثيرًا منهم من أهل الرأي والمشورة..
و كان ينبغي أن يكونوا حضورًا في اختيار الخليفة... ولا يكتفي بثلاثة من المهاجرين فقط..
هذا عذرهم..

لكن على الجانب الآخر ..
فإن أبا بكر وعمر وأبا عبيدة معذورون كذلك في غياب بقية المهاجرين..
وقد رأينا الأحداث بالتفصيل..
وكيف أن أبا بكر وعمر كانا في بيت رسول الله وقت اجتماع الأنصار..
وجاء إليهما رجل أخبرهما بالخبر..
فقاما إلى الأنصار على غير إعداد ولا تحضير...
وفي الطريق لقيا أبا عبيدة بن الجراح على غير اتفاق.. فأخذاه معهما..
ودخلوا جميعًا السقيفة..
وتسارعت الأحداث في السقيفة كما رأينا..
وكان يُخشى إن لم يتم اختيار خليفة في ذلك الوقت... أن تحدث فتنة في المدينة..
وأن يكثر القيل والقال.. والخلاف والتفرق..

فما حدث لم يكن القصد منه استثناء المهاجرين من الحضور..
ولكن سرعة التقاء الأنصار..
ولهم ما يبررهم كما بَيّنا سابقًا ...هي التي أدت إلى هذه النتيجة العاجلة...

ويبدو أن بعض المهاجرين الآخرين كانوا يجدون في أنفسهم...
لنفس السبب الذي ذكره علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ..
مما دعا أبا بكر الصديق أن يقف خطيبًا في المهاجرين بعد المبايعة بأيام ..

كما روى موسى بن عقبة والحاكم بسند صحيح عن عبد الرحمن بن عوف فقال:

خطب أبو بكر الصديق في المهاجرين فقال: ما كنت حريصًا على الإمارة يومًا ولا ليلة، ولا سألتها في سر، ولا علانية، ولكني أشفقت من الفتنة، وما لي في الإمارة من راحة، لقد قُلّدت أمرًا عظيمًا ما لي طاقة به ولا يد إلا بتقوى الله. فقبل المهاجرون مقالته...

والمهاجرون لا يحتاجون لهذه المقالة حتى يطمئنوا...
فهم يعرفون صدق الصديق وزهده ومكانته وقلبه وإيمانه...
ولو أخذت آراءهم جميعًا ما اختاروا غير الصديق ..
لكنه أراد أن يقطع الشك باليقين..
ويقتل الفتنة في مهدها..
ويسترضي أصحابه مع كونه لم يكن مخطئًا في استثنائهم..
بل كان مضطرًا....

إذن كان من الواضح ...
أن إسراع الأنصار إلى سقيفة بني ساعدة لم يكن اجتهادًا مصيبًا منهم..
فها هي آثار ورواسب حدثت في نفس المهاجرين ..
مع أن الخليفة أبا بكر منهم..فكيف لو كان من غيرهم؟

ونعود ونؤكد أن هذه الرواسب لم تكن لأمر قبلية أو عصبية.. أو اعتراض عن الاختيار..
لكن وجدوا في أنفسهم لاستبعاد رأيهم في هذه القضية الخطيرة..

هذا الموقف من الأنصار..
هو الذي حدا بعمر بن الخطاب أن يقول عبارتين في وقتين مختلفين..
لم يفقههما القارئ غير المتتبع للأحداث... وللظروف التي قيلت فيها هاتان العبارتان:

أما العبارة الأولى فقد قالها يوم السقيفة وبعد مبايعة أبي بكر ..

إذ قال رجل من الأنصار لعمر بن الخطاب: قتلتم سعدًا والله..

يقصد قتلتم سعد بن عبادة سيد الأنصار باختياركم غيره..

يروي البخاري عن عمر بن الخطاب تفسيرًا لهذا الموقف فيقول: "وَإِنَّا وَاللَّهِ مَا وَجَدْنَا فِيمَا حَضَرْنَا مِنْ أَمْرٍ، أَقْوَى مِنْ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ، خَشِينَا إِنْ فَارَقْنَا الْقَوْمَ، وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ، أَنْ يُبَايِعُوا رَجُلاً مِنْهُمْ بَعْدَنَا، فَإِمَّا بَايَعْنَاهُمْ عَلَى مَا لا نَرْضَى، وَإِمَّا نُخَالِفُهُمْ فَيَكُونُ فَسَادٌ، فَمَنْ بَايَعَ رَجُلاً عَلَى غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلا يُتَابَعُ هُوَ وَلا الَّذِي بَايَعَهُ؛ تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلا".

أي مخافة أن يقتلا نتيجة الفتنة التي قد تحدث..

وأما العبارة الثانية التي قالها عمر ...
جاءت في رواية البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب في أيام إمارته على المسلمين ..

خطب في الناس فقال: بلغني أن فلانًا منكم يقول: لو مات عمر بايعت فلانًا.

يقصد أنه سيبايع فلانًا.. وفلانًا هذا هو طلحة بن عبيد الله دون مشورة أحد..
فهو في رأيه أحق الناس بالخلافة بعد عمر..

يكمل عمر فيقول: فلا يغترن امرؤ أن يقول: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة، وتمت.

فلتة بمعنى فجأة..
فعمر يريد أن يحذر من يقول بيعة أبي بكر كانت فجأة دون ترتيب.. ومع ذلك تمت ونجحت..
وبويع أبو بكر...
فما المانع إن مات عمر أن نبايع رجلاً فجأة.. ويتم له الأمر.

ثم يكمل عمر يصحح المفاهيم للأمة، ويقول: ألا وإنها -أي بيعة الصديق- قد كانت كذلك إلا أن الله وقى شرها.

وهذه عبارة هامة جدًّا..
يقصد عمر أن عملية الانتخاب الفجائية كان من الممكن أن يتبعها شر عظيم..
فلا بد أن تعقد الشورى بين كل الأطراف الذين يستعان برأيهم في هذه الأمور..
وبيعة الصديق الفجائية كان من الممكن أن لا تقر من عامة المسلمين..
لولا أن المبايع هو أبو بكر الصديق ..!

ولو تخيلنا أن المهاجرين انقسموا على أنفسهم ..
فاختار بعضهم طلحة مثلاً... واختار بعضهم عليًّا مثلاً.. واختار بعضهم عمر مثلاً.. وهكذا.. فكيف يجتمعون؟

ولذلك قال عمر بن الخطاب تعقيبًا على هذا الكلام: وليس فيكم اليوم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر.

أي أن السابق فيكم الذي لا يُلحق في الفضل ...لا يصل إلى منزلة أبي بكر..
فلا يطمع أحد أن يقع له مثل ما وقع لأبي بكر من المبايعة له..
فأبو بكر الصديق وقعت له المبايعة بالإجماع في الملأ اليسير في السقيفة..
ثم وقعت له المبايعة في عامة الناس من رءوس القوم الذين لم يحضروا البيعة..
وليس هذا إلا للصديق ..

لذا نصيحة عمر للأمة ألا تتسرع في أمر اختيار قائدها..
فليس منهم من سيجمع الناس عليه مثلما أجمعوا على أبي بكر..
فعليهم بالشورى المتأنية وبطرح كل الأسماء المرشحة..
وبدراسة كل واحد منهم..
ثم اختيار واحد..

ومن المؤكد أن هذا الواحد سيكون مقبولاً من بعض الناس..
ومرفوضًا من غيرهم..
فإذا حدث اختياره بعد شورى حقيقية.. أمن الشعب الفتنة..
وإن أرغم الناس عليه إرغامًا ..فلا تؤمن الفتنة....



  رد مع اقتباس
[ 11-20-2014 ]   رقم المشاركة 27

 

 

الصورة الرمزية mohamadamin

تاريخ التسجيل: Feb 2009

رقم العضوية: 2643

المشاركات: 513

الدولة/المدينة: عمان- مرج الحمام

الارتفاع عن سطح البحر: 900 - 1000 متر

شكراً: 95
تم شكره 194 مرة في 113 مشاركة

افتراضي رد: ثمــرات .. من حياة الأربعة .. !

لماذا أجمع الناس على بيعة الصديق؟

يبدو أننا مهما قلنا..
ومهما شرحنا..
ومهما ذكرنا من مواقف وأحداث..
فإننا لن نوفي هذا الرجل حقه..

ونحن إن كنا نقارنه بأناس عاديين.. لكان يسيرًا أن نفقه هذا الاجتماع على صعوبته..
لكنه يُقارن برجال أعلام أفذاذ عباقرة...
ما تكرر في التاريخ جيل مثلهم...
كل رجل منهم أمة..

أَخْرِج كتب السيرة والتاريخ.... واقرأ..

اقرأ مثلاً قصة حياة عمر بن الخطاب ...
وما فعله للإسلام والمسلمين منذ أسلم وحتى مات..
اقرأ عن علمه وعدله وفقهه و ورعه وتقواه...

اقرأ مثلاً عن عثمان بن عفان ...
وما قدمه في حياته الطويلة..
اقرأ عن كرمه وزهده.... وعن أخلاقه.

اقرأ مثلاً عن علي بن أبي طالب...
وعن تاريخه المجيد وفضله العظيم وكلامه الحكيم...
اقرأ عن قوته وحكمته وحلمه وشجاعته وذكائه.

اقرأ عن غيرهم من الصحابة..
عن الزبير وطلحة وأبي عبيدة بن الجراح وسعيد بن زيد.. وغيرهم..

ومن المؤكد أن كل اسم من هذه الأسماء...
يترك في النفس العديد من ذكريات من الإيمان، والجهاد، والبذل، والمروءة.

اقرأ عنهم وعن عشرات معهم..
وعن مئات معهم..
وعن آلاف معهم..
بل عن ملايين معهم.

اقرأ عن عظماء وعلماء المسلمين في كل عصر... وفي كل مكان..

واعلم أنهم لو جُمعوا في كفة جميعًا... والصديق في كفة ...لرجح بهم الصديق..

فأيّ فضل!

وأيّ قدر!

وأيّ عظمة!

وأيّ مكانة!

روى الإمام أحمد رحمه الله بسند صحيح عن عبد الله بن عمر قال:

خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذات غداة بعد طلوع الشمس فقال: "رَأَيْتُ قُبَيْلَ الْفَجْرِ كَأَنِّي أُعْطِيتُ الْمَقَالِيدَ، وَالْمَوَازِينَ، فَأَمَّا الْمَقَالِيدُ فَهَذِهِ الْمَفَاتِيحُ، وَأَمَّا الْمَوَازِينُ فَهِيَ الَّتِي تَزِنُونَ بِهَا، فَوُضِعْتُ فِي كِفَّةٍ، وَوُضِعَتْ أُمَّتِي فِي كِفَّةٍ، فَوُزِنْتُ بِهِمْ، فَرَجَحْتُ، ثُمَّ جِيءَ بِأَبِي بَكْرٍ، فَوُزِنَ بِهِمْ، فَوَزَنَ، ثُمَّ جِيءَ بِعُمَرَ، فَوُزِنَ، فَوَزَنَ، ثُمَّ جِيءَ بِعُثْمَانَ، فَوُزِنَ بِهِمْ، ثُمَّ رُفِعَتْ"

وهناك الكثير من الأحاديث التي تتحرى فضل الصديق..

ففي البخاري عن ابن عمر ..

"كنا نخير بين الناس في زمان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فنخير أبا بكر، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان ....وفي رواية الطبراني زاد: فيعلم بذلك النبي (صلى الله عليه وسلم) ، ولا ينكره."

وفي البخاري عن عبيد الله بن عمر..

"كنا لا نعدل بأبي بكرٍ أحدًا، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فلا نفاضل بينهم"

وعند أحمد عن علي بن أبي طالب ..

"خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر"

فكيف نسى المعترضون على خلافة أبي بكر .. هذا الحديث عن علي ؟!

وفي البخاري عن عمرو بن العاص ..

"قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أحب إليك؟ قال: "عَائِشَةُ". قلت: من الرجال؟ قال: "أَبُوهَا". قلت: ثم من؟ قال: "عُمَرُ". قلت: ثم من؟ قال عمرو بن العاص: فعد رجالاً"


وأخرج الترمذي وحسنه ابن ماجه وأحمد وغيرهم عن أنس (وأخرج الترمذي نفس الحديث عن علي)..

"قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لأبي بكر وعمر: "هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ الْجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِيينَ وَالآخِرِينَ خَلا النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ"

وأخرج الترمذي وحسنه عن أبي سعيد الخدري ..

"قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "إِنَّ أَهْلَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى لَيَرَاهُمْ مَنْ تَحْتَهُمْ كَمَا تَرَوْنَ النَّجْمَ الطَّالِعَ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْهُمْ"

وأخرج الطبراني نفس الحديث عن جابر بن سمرة وعن أبي هريرة.

وأخرج الترمذي والحاكم وابن ماجه عن ابن عمر ..

"أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خرج ذات يوم، فدخل المسجد، وأبو بكر وعمر، أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، وهو آخذ بأيديهما وقال: "هَكَذَا نُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"

وأخرجه الطبراني عن أبي هريرة ..

وأخرج الترمذي والحاكم عن ابن عمر ...

"قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضَ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ"

وأخرج الترمذي وقال: حسن صحيح عن ابن عمر ..

"أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال لأبي بكر: "أَنْتَ صَاحِبِي عَلَى الْحَوْضِ، وَصَاحِبِي فِي الْغَارِ"

فهذه الدرجة العالية من الفضل والإيمان ...
جعلت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يطمئن إلى إيمان الصديق...
وإلى تصديق الصديق حتى في غيابه..
وهذه درجة عالية جدًّا في الفضل..

بمعنى إذا ذكر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أمرًا عجيبًا غريبًا قد يشك فيه بعض الناس..
فإن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يطمئن..
ويضمن أن يصدقه الصديق حتى قبل أن يعرف موقف الصديق...

وهاكم دليلاً على ذلك:
أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة ..

قال: قال صلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الصبح، ثم أقبل على الناس
فقال: "بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا .. فَقَالَتْ: إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ"
فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ بَقَرَةٌ تَكَلَّمُ..
فَقَالَ: "فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ"


(أي لم يكونا موجودين في هذا اللقاء الذي يتحدث فيه رسول الله)

ثم يكمل رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..

"وَبَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمِهِ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ فَذَهَبَ مِنْهَا بِشَاةٍ فَطَلَبَ حَتَّى كَأَنَّهُ اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ
فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ هَذَا اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ يَوْمَ لا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي"
فَقَالَ النَّاسُ سُبْحَانَ اللَّهِ ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ,
قَالَ: "فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ".


واختلفوا كثيرًا في شرح المقصود بحادثة السبع هذه...
لكن الشاهد الثابت من القصة هو تكلم الذئب، وتكلم البقرة، وإيمان الرسول (صلى الله عليه وسلم) بذلك...
وإيمانه بأن الصديق وعمر سيؤمنون بذلك حتمًا...
ولم يكونا حاضرين في المجلس..
وهي فضيلة ولا شك للصحابيين الجليلين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

إذن ليس من عجب أن يختار المؤمنون أبا بكر الصديق للخلافة ..
بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ..

فالأحاديث السابقة وغيرها ...
تشير إلى أن الصحابة جميعًا كانوا يعتبرونه أفضلهم..
وأقربهم إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ..
وأعلاهم منزلة في الدنيا والآخرة..

وهذا كله سَهّل عليهم اختياره خليفة للمسلمين..
بل إن هذا الأمر لم يكن خافيًا حتى على المشركين..
الذين كانوا يعلمون أن أبا بكر الصديق هو وزير النبي الكريم ..

حتى بعد الهجرة النبوية .. أول ما فعله المشركون هو الذهاب لبيت أبي بكر للتأكد من وجود محمد فيه؟!

لدرجة أن أبي جهل قد لطم أسماء بنت أبي بكر حينما أنكرت معرفتها ..
فلماذا تجاوز أبو جهل الحدود ؟!
لأنه على يقين من أن (محمد وأبي بكر) لن يفترقان ..

وفي يوم أحد .. لما انسحب المسلمون ..
جاء أبو سفيان ليتأكد من موت زعماء الطرف الآخر ..

فقال .. أفيكم محمد ؟!

فلم يجيبوه.. لأنه (صلى الله عليه وسلم) أمرهم بذلك ..

فقال: أفيكم ابن أبي قحافة؟!!

فأبو سفيان يعلم إن لم يجد محمدا فسيجد أبو بكر.. لأن هذا هو القائد المتوقع بعده (صلى الله عليه وسلم) ..

ثم قال أبو سفيان .. أفيكم عمر ؟!

وأيضا هذا هو القائد المتوقع للمسلمين بعد أبي بكر ..
فلم يجيبوه أيضًا .. لأنه (صلى الله عليه وسلم) منعهم من الإجابة ..

عندها قال أبو سفيان: أما هؤلاء فقد كفيتموهم..

هنا لم يملك عمر نفسه فقال: يا عدو الله إن الذين ذكرتهم أحياء، وقد أبقى الله ما يسوءك.

إذن الشاهد من هذه الأمور..
أن الناس أجمعين مؤمنهم وكافرهم كانوا يرون أن أبا بكر هو الرجل الثاني في هذه الدولة..
وهو الرجل المتوقع أن يخلف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ..
إذا غاب الرسول أو مات..



  رد مع اقتباس
[ 11-20-2014 ]   رقم المشاركة 28

 

 

الصورة الرمزية mohamadamin

تاريخ التسجيل: Feb 2009

رقم العضوية: 2643

المشاركات: 513

الدولة/المدينة: عمان- مرج الحمام

الارتفاع عن سطح البحر: 900 - 1000 متر

شكراً: 95
تم شكره 194 مرة في 113 مشاركة

افتراضي رد: ثمــرات .. من حياة الأربعة .. !

شروط الاستخلاف

الشرط الأول- الإسلام

يتفق فيه كل الصحابة... وهو الإسلام...
فلا يجوز لدولة إسلامية غالب سكانها من المسلمين ..
أن يكون الحاكم نصرانيًّا أو يهوديًّا مثلاً...
ولا تنظروا إلى ما يحدث في بعض بلدان العالم الإسلامي ...
من ولاية النصارى على الدولة.. مثل نيجيريا مثلاً... فهذه مخالفة شرعية واضحة....

الشرط الثاني - البلوغ

وهذا أيضًا يجتمع فيه كل الصحابة المرشحين للخلافة...

الشرط الثالث - الذكورة

لا بد أن يتولى أمور المسلمين ...وبالذات إمامة البلد والقيادة الأولى فيها رجل..
وأن بعض البلدان الإسلامية التي تجعل على رئاستها امرأة..
ولعلهم يفتقرون إلى رجل تتوافر فيه شروط الإمامة..
فشرط الذكورة طبعًا يتوافر في كل المرشحين للخلافة في زمان الصحابة....

إذن هذه الشروط الثلاثة ...الإسلام والبلوغ والذكورة ...لا يتفاضل فيها أحد من الصحابة على أحد.

الشرط الرابع - العدالة

الصحابة جميعًا عدول باتفاق العلماء..
والعدالة: هي ملكة في الشخص تحمله على ملازمة التقوى والمروءة....
والتقوى... وإن كانت من الأعمال التي تحتاج توافق بين الظاهر والباطن والسر والعلانية ..
إلا أن التقوى التي يبنى عليها شرط العدالة ...هي التي يراها الناس فقط..
فليس لأحد أن يطلع على قلب أحد..

ومن هذا المنطق فإن تعريف التقوى المطلوبة في الخليفة هو..
اجتناب الأعمال السيئة من الشرك والفسق والبدعة...
كما لا بد ألا يأتي بأي عمل من أعمال الشرك..
ولا بد أن يجتنب الأمور التي يتهم صاحبها بالفسق..
مثل ترك الصلاة..
وترك الزكاة..
وترك الصيام..
وفعل الكبائر الأخرى كشرب الخمر..
أو الزنا..
أو المجاهرة بفحش القول والعمل..
أو القتل بغير حق..
أو الاستهزاء بالدين..
ولا بد أيضًا أن يتجنب البدعة فضلاً عن أن يدعو لها..

واختلفوا في الصغائر.. أي اجتنابها شرط أم لا..
واتفقوا على أن الإصرار عليها يخل بشرط العدالة..

أما المراد بالمروءة فهو: التنزه عن النقائص التي قد تكون مباحة.. ولكن لا تصح في حقه..
مثل كثرة المزاح .. وضياع الهيبة ... وإن كان صادقًا في مزاحه..
وقديمًا كانوا يعتبرون الأكل في الشوارع والأسواق من مسقطات المروءة..
لكن العرف الآن يجيز ذلك ولم ينه الشرع عنه كذلك...

إذن شرط العدالة يقتضي أن يكون الخليفة تقيًّا صاحب مروءة ..
وإن كنا قد ذكرنا أن الصحابة كلهم عدول من هذه الوجهة..

إلا أنه من الواضح والمعلوم أن أبا بكر الصديق هو أكثرهم عدالة..
وأعظمهم تقوى..
وأشدهم مروءة..
لما سبق من الأحاديث ولشهادة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) له ..
بالإيمان والصحبة والدرجة العالية في الجنة....

شروط تفوق فيها الصديق

بعد الشروط السابق ذكرها ...
والتي يشترك فيها جميع الصحابة المؤهلين للخلافة في ذلك الوقت...

تأتي شروط أخرى في غاية الأهمية..
وهي تحتاج إلى بعض البحث في أحوال الصحابة ..
لنرى من هو أصلح الناس على ضوء هذه الشروط لتولي الخلافة..

و هذه الشروط المتبقية .. ثلاثة ..

(1) الشجاعة والقوة والنجدة..
(2) العلم والدراية بأمور الفقه والدين والحياة بصفة عامة..
(3) حسن الرأي وحسن الإدارة والحكمة في المفاضلة بين الأمور..


طبعًا مع وجود شرط رابع تحدثنا عنه من قبل ..
وهو أن يكون الخليفة من قريش ..
وهذا الشرط استثنى الأنصار كما ذكرنا ...

و مع هذه الشروط الثلاثة الأخيرة .. علينا أن نرى أين موقع الصديق منها ؟!

الشجاعة والقوة والنجدة

لا بد للخليفة أن يكون كذلك.. وإلا ضاعت هيبة البلاد..
فقرار الحرب يحتاج إلى رجل شجاع لا يهاب الموت.. بل يطلبه..
و إذا تردد الخليفة في نفسه ساعة أو ساعتين.. أو يومًا أو يومين..
فقد تضيع البلاد نتيجة التردد والجبن...

فأين الصديق في صفة الشجاعة؟

روى البخاري عن عروة بن الزبير رحمه الله قال:

سألت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن أشد ما صنع المشركون برسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو يصلي، فوضع رداءه في عنقه، فخنقه خنقًا شديدًا، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه، فقال: "أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله، وقد جاءكم بالبينات من ربكم؟"

ففي هذا الموقف العصيب... محاولة لقتل رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
يأتي أبو بكر الصديق دون غيره من الصحابة.. ويدافع عنه (صلى الله عليه وسلم)..
في موقف من أشد المواقف خطورة على حياة الرسول.. وعلى حياة الصديق نفسه..
لكنه إذا انتكهت حرمة الدين.. أو حرمة الرسول (صلى الله عليه وسلم)... فالصديق لا ينظر لنفسه أبدًا.

انظروا إلى هذه الرواية التي رواها البزار في مسنده..
وذكرها ابن حجر العسقلاني في فتح الباري عن شرحه للحديث السابق..
وهذه الرواية عن علي بن أبي طالب ..

قال علي : "أَخبِروني من أشجع الناس؟"

وكان وقتها أمير المؤمنين..

قالوا: أنت.
قال: "أما إني ما بارزت أحدًا إلا انتصفت منه، ولكن أخبروني بأشجع الناس"..


يقصد أنه شجاع... ولكن هناك من هو أشجع منه...

فقال الناس: لا نعلم فمن؟
قال: "أبو بكر".


ثم بدأ يفسر لهم..

قال: إنه لما كان يوم بدر، فجعلنا لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) عريشًا..
فقلنا.. من يكون مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لئلا يهوي إليه أحد من المشركين؟
فو الله ما دنا أحد إلا أبو بكر شاهرًا بالسيف على رأس رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
لا يهوي إليه أحد إلا هوى إليه.. فهو أشجع الناس..
ثم يكمل علي ويقول: ولقد رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقد أخذته قريش (أي وقت مكة)...
فهذا يجبأه... وهذا يتلتله..
وهم يقولون: أنت الذي جعلت الآلهة إلهًا واحدًا؟
قال: فوالله ما دنا منه أحد... إلا أبو بكر يضرب هذا ويجبأ هذا ويتلتل هذا..
وهو يقول: ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله.
ثم رفع علي بردة كانت عليه فبكى حتى اخضلت لحيته، ثم قال: أنشدكم الله أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر؟

فسكت القوم..

فقال: ألا تجيبوني؟ فوالله لساعة من أبي بكر خير من ألف ساعة من مثل مؤمن آل فرعون، ذاك رجل يكتم إيمانه (أي مؤمن آل فرعون) وهذا رجل أعلن إيمانه...(أي أبو بكر)..


وهكذا .. فثبات الصديق مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في جميع المشاهد والغزوات معلوم ..
بما في ذلك طبعًا في أحد وحنين ...حيث فر معظم القوم..
ولم يبق إلا هو والقلة.

وشرط الشجاعة طبعًا يقصد به الشجاعة في القلب...
والتي تؤدي إلى قرار شجاع غير متردد...
وليس بالضرورة أن يكون صاحب الرأي الشجاع هو أمهر الناس في القتال.. أو هو أقواهم جسدًا..
لكن المراد أن يأخذ القرار الشجاع المناسب في الموقف..
حتى وإن كان على حساب حياته..

فلا يشترط في الخليفة طبعًا أن يقاتل بنفسه..
حتى يشترط أن يكون أمهر الناس وأقواهم جسدًا..
وإن كان أبو بكر كان يقاتل بنفسه أحيانًا ..
وهو خليفة إذا تطلب الأمر ذلك..
وهذا ما سنراه في حروب الردة ..
حين خرج في حرب عبس وذبيان بنفسه لما غَزَتَا المدينة المنورة ...

فأبو بكر الصديق وإن كان رجلاً نحيلاً ضعيفًا في بنيته..
إلا أنه كان أشجع الصحابة في قرار حروب الردة ...وقرار فتح فارس والروم..

نعم هناك من الصحابة من أقوى منه جسدًا..
وأمهر منه حربًا ورميًا..
لكن هذا لا يشترط في الخليفة ..
إنما يشترط في قائد الجيوش أو الممارس للقتال..

لذلك ولى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عمرو بن العاص على أبي بكر في موقعة ذات السلاسل..
لأنه في هذه الجزئية يتفوق عمرو بن العاص..
لكن في شمول معنى القيادة للخلافة وللدولة..
فلا شك أن الصديق فاق الجميع..

وهناك مثل يوضح هذا الأمر:
ذكرناه في حديثنا عن إنكار الذات عند الصديق وموقفه ..
وهو يدافع عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ..
حتى نال منه المشركون وتورم وجهه وكاد أن يموت..
ففي هذا الموقف ..
نجد أن الصديق دفعته شجاعته إلى الدفاع عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
لكن لم يكن له طاقة بالمشركين فضربوه..
وهذا لا يطعن في شجاعته..
بل على العكس ..
فالرجل الجسيم القوي قد يحتمي وراء جسده..
وقد يخفي في داخله قلبًا ضعيفًا يخشى الموت ويطلب الحياة..
بينما الرجل النحيل الضعيف إذا قدم على مهلكة واضحة كان هذا دليلاً على شجاعته..
واستهانته بالموت وطلبه للشهادة ويقينه بالأجل..
وهذا كله مما يرجى في خليفة المسلمين.
روى ابن إسحاق في سيرته وابن كثير في تفسيره وغيرهم ..

أن أبا بكر دخل بيت المدراس على يهود (بيت المدراس هو بيت يدرس فيه اليهود فيه التوراة) ...
وكان دخول أبي بكر هذا في أول العهد المدني ..
في زمن المعاهدة بين رسول الله (صلى الله عليه وسلم) واليهود...
ولم يكن الرسول (صلى الله عليه وسلم) ممكنًا في المدينة بعد..
وكان اليهود قوة لا يستهان بها في المدينة.. سلاح ورجال وقلاع وأموال..
وأبو بكر الآن يدخل على اليهود في عقر دارهم في بيت المدراس..
وقد اجتمع عدد ضخم من اليهود هناك وأبو بكر بمفرده..

دخل أبو بكر فوجد منهم ناسًا قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له: فنحاص..
وكان من علمائهم وأحبارهم ومعه حبر من أحبارهم يقال له: أشيع..

فقال أبو بكر لفنحاص: "ويحك، اتق الله وأسلم، فوالله إنك تعلم أن محمدًا لرسول الله، قد جاءكم بالحق من عنده، تجدونه مكتوبًا عندكم في التوراة والإنجيل".

أبو بكر أخذته الحمية للدين لما رأى فنحاص يعلم الناس التوراة المحرفة..
ويبعدهم عن دين الله..
لم يفكر أنه وحيد في جحر الثعالب..
كل ما فكر فيه هو دين الله ودعوة الإسلام..
لكن فنحاص كان إنسانًا شريرًا قاسي القلب سيئ الأدب كعادة اليهود..
قال للصديق ما لم يتوقع الصديق أبدًا أن يسمعه من إنسان..

قال: والله يا أبا بكر، ما بنا إلى الله من فقر وإنه إلينا لفقير، وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا، وإنا عنه أغنياء وما هو عنا بغني، ولو كان عنا غنيًّا ما استقرضنا أموالنا، كما يزعم صاحبكم، ينهاكم عن الربا ويعطيناه، ولو كان غنيًّا ما أعطانا الربا.

هذا الكلام الفاحش من فنحاص يقصد به قول الله ..

(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)

فيقول إن الله يستقرضنا، وسيعطينا مكانه أضعافًا كثيرة..
فكأن هذا ربا وهو قد نهى عن الربا فكيف يعطيه..
أمر عجيب وعقول مختلة وقلوب ميتة..
المهم هذا ما قاله فنحاص..

فماذا كان رد فعل الصديق وهو يقف وحيدًا أمام جموع اليهود ...؟

ها هو دين الله ينتقص أمام وجهه..
وهو قد جعل لنفسه قانونًا لا ينساه: أينقص الدين وأنا حي.

فبماذا رد عليه الصديق؟

إنه لم يرد بلسانه..
الصديق فاجئنا وفاجأ فنحاص وفاجأ اليهود بغضب شديد عظيم..
ولم يشعر بنفسه إلا وهو يرفع يده فيضرب فنحاص في وجهه ضربًا شديدًا ..
حتى سالت الدماء من وجه فنحاص..
وتورم وجهه..

وقال الصديق : "والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت رأسك أي عدو الله".

وطبعًا اليهود مع كونهم كثرة إلا أنهم إن رأوا ثباتًا من الرجل الذين أمامهم ..
ودبت في قلوبهم الرهبة تملكهم الرعب والهلع..
فلم يستطيعوا فعل شيء..
وما تحرك منهم رجلٌ واحد..

ولكن ذهب فنحاص إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا محمد انظر ما صنع بي صاحبك.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لأبي بكر: "مَا حَمَلَكَ علَى مَا صَنَعْتَ؟"

فقال أبو بكر: يا رسول الله إن عدو الله قال قولاً عظيمًا، إنه يزعم أن الله فقير وأنهم أغنياء، فلما قال ذلك غضبت لله مما قال, وضربت وجهه..

فجحد ذلك فنحاص وقال: والله يا محمد ما قلت ذلك..

فأنزل الله تعالى فيما قال فنحاص ردًّا عليه وتصديقًا لأبي بكر..

(لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ
وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ)


ونزل في أبي بكر الصديق وما بلغه في ذلك من الغضب قوله تعالى..

(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا
وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ)


لم يكن هذا وقت المواجهة مع اليهود... بل وقت الصبر...وسيأتي يوم المواجهة بعد ذلك.

الشاهد من القصة هو أن الصديق ...لا تأخذه في الله لومة لائم..
شجاع، مقدام... لا يتردد عن جهاد... ولا يفر من لقاء...
ولا يتحمل أن ينتهك دين الله ولا يتحرك..
هذه هي الشجاعة المرجوة في الخليفة..
وهذا هو الإقدام المطلوب في قائد الأمة...



  رد مع اقتباس
[ 11-20-2014 ]   رقم المشاركة 29

 

 

الصورة الرمزية mohamadamin

تاريخ التسجيل: Feb 2009

رقم العضوية: 2643

المشاركات: 513

الدولة/المدينة: عمان- مرج الحمام

الارتفاع عن سطح البحر: 900 - 1000 متر

شكراً: 95
تم شكره 194 مرة في 113 مشاركة

افتراضي رد: ثمــرات .. من حياة الأربعة .. !

العلم والدراية بأمور الفقه والدين والحياة

الصديق كان أعلم الصحابة..

روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال

خطب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: "إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ ذَلِكَ الْعَبْدُ مَا عِنْدَ اللَّهِ". فبكى أبو بكر، وقال: "نَفْدِيكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا"... يقول أبو سعيد الخدري: فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن عبد خير؟ فكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هو المخير، وكان أبو بكر هو أعلمنا.

وكان الصديق علمه غزير ..
ويفتي في وجود الرسول (صلى الله عليه وسلم)..وكانت هذه الخاصية له وحده..
وأحيانًا لعمر وليس لغيرهما..

سئل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: من كان يفتي الناس في زمن الرسول (صلى الله عليه وسلم)؟
فقال: أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، ما أعلم غيرهما.


روى البخاري رحمه الله عن أبي قتادة ..

قال: لما كان يوم حنين نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلاً من المشركين وآخر من المشركين يختله -يريد أن يأخذه على غرة- من ورائه ليقتله، فأسرعت إلى الذي يختله، فرفع يده ليضربني وأضرب يده، فقطعتها ثم أخذني، فضمني ضمًّا شديدًا، حتى تخوفت، ثم ترك، فتحلل، ودفعته، ثم قتلته، وانهزم المسلمون وانهزمت معهم -وهذا كان في أول يوم في حنين- فإذا بعمر بن الخطاب في الناس، فقلت له: ما شأن الناس؟ أي لماذا يهربون؟ قال: أمر الله.. ثم تراجع الناس إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) - يقصد انتصر المسلمون وانهزم المشركون - وبعد الموقعة قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "مَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى قَتِيلٍ قَتَلَهُ فَلَهُ سَلَبَهُ". فقمت لألتمس بينة قتيلي، فلم أر أحدًا يشهد لي فجلست، ثم بدا لي فذكرت أمره لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال رجل من جلسائه: صدق وسلبه عندي فأرضه مني.

إذ اعترف الرجل أن السلب معه... لكنه يريد أن يأخذه ويرضي أبا قتادة بشيء..

هنا قام الصديق وقال في حمية: كلا لا يعطه أصيبغ من قريش -أي طائر ضعيف- ويدع أسدًا من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم)...

يستنكر الصديق أن يأخذ الرجل من السلب شيئًا وإن كان معه...لكن يعطيه لأبي قتادة كاملاً..

فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) : صدق فأعطه..

فصدّق (صلى الله عليه وسلم) على فتوى الصديق وهو في حضرته.

و روى البخاري ومسلم عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت..

دخل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم فطر، أو أضحى، وعندي جاريتان تغنيان بغناء الحرب، والشجاعة، فاضطجع على الفراش، وحول وجهه، فدخل أبو بكر فانتهرهما وقال: مزمار الشيطان عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) , فأقبل عليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: "دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَإِنَّ عِيدَنَا هَذَا الْيَوْمُ".

قال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى..

إن أهل السنة اتفقوا على أن أبا بكر هو أعلم الأمة، وحكي الإجماع على ذلك، ولعل سبب هذا العلم الغزير تفوقه على الصحابة وملازمته للنبي (صلى الله عليه وسلم) أكثر من غيره، فقد كان أدوم اجتماعًا به ليلاً ونهارًا وسفرًا وحضرًا، وما أكثر الأحاديث التي ذكر فيها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خرج وأبو بكر، أو دخل وأبو بكر، أو جلس وأبو بكر، وهكذا.

ولقد استعمله رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على الحج..
وهو يحتاج إلى علم غزير..
واستعمله على الصلاة لكونه أعلم الناس..
ولم يحفظ له قولاً يخالف فيه نصًّا ولا يعرف له غلط.

قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات...

استدل أصحابنا على عظم علمه بقوله (رضي الله عنه) في الحديث الثابت في الصحيحين: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لقاتلتهم على منعه.

روى ابن حبان في صحيحه عن عبد الله بن عمر قال:

قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "رَأَيْتُ كَأَنِّي أُعْطِيتُ عُسًّا -قدحًا كبيرًا- مَمْلُوءًا لَبَنًا، فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتَّى تَمَلأْتُ، فَرَأَيْتُهَا تَجْرِي فِي عُرُوقِي بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ، فَفَضُلَتْ مِنْهَا فَضْلَةٌ، فَأَعْطَيْتُهَا أَبَا بَكْرٍ" ، قالوا: يا رسول الله هذا علم أعطاكه الله، حتى إذا تملأت منه، فضلت فضلة فأعطيتها أبا بكر, فقال (صلى الله عليه وسلم) "قَدْ أَصَبْتُمْ".

وقد ظهرت عظمة علمه ودرايته وأدلته عند موت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
وظهر تفوقه الواضح على الصحابة..
حيث بَيّن لهم موت النبي (صلى الله عليه وسلم).. والآيات التي جعلتهم يقبلون بالمصيبة ويصبرون عليها..!

ثم بَيّن لهم موضع دفنه ...وكانوا قد اختلفوا على ذلك..!

ثم بَيّن لهم ميراثه...وكانوا أيضًا اختلفوا على ذلك...!

وبَيّن لهم قتال مانعي الزكاة كما أشرنا من قبل.....!

وَبَيّن لهم أن الخلافة في قريش.... ولم يذكرها أحد قبله في السقيفة...!

وَبَيّن لهم وجوب إنفاذ بعث أسامة بن زيد ... !

ومن كل ما سبق يتبين مدى غزارة علم الصديق ... وأنه بحق أعلم الصحابة...

حسن الرأي وحسن الإدارة والحكمة في المفاضلة بين الأمور

إذا قال أحد الناس .. إن أبا بكر ٍ كان عالما ..
لكن قد يفوقه آخرون في حسن الرأي.. وفي استغلال العلم الذي يعلمه..
فإننا نرد على ذلك بأن الصديق كان أعظم الصحابة رأيًا وأحكمهم في التصرف..
وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) دائم الاستشارة للصديق ..
وكان أحيانًا يستشيره بمفرده... وأحيانًا يستشيره مع الصحابة..
وكان يميل إلى رأيه دائمًا (صلى الله عليه وسلم)..

ظهر ذلك واضحًا مثلاً في استشارته في أمر قتال المشركين في بدر..
وظهر في أمر الأسارى في بدر..
وفي الحديبية لما توافقت كلماته ورأيه مع كلمات ورأي رسول الله (صلى الله عليه وسلم)...

وقد أخرج أحمد عن عبد الرحمن بن غنم، والطبراني عن البراء بن عازب أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال لأبي بكر وعمر: "لَوِ اجْتَمَعْتُمَا فِي مَشُورَةٍ مَا خَالَفْتُكُمَا"

وظهر من حسن الرأي للصديق في أيام خلافته ما يعجز البيان عن وصفه..
وهناك تفصيلات كثيرة..
ولا يخفى ما في حسن اختياره لعمر بن الخطاب خليفة من بعده ما أصلح للأمة أمرها..
وقوّى من شأنها..
فالرجل فعلاً مسدد الرأي وعظيم الحكمة..
ومن العسير فعلاً أن تبحث له عن خطأ في رأي...أو في حكم... أو في قضية.

وقد روى الطبراني وأبو نعيم وغيرهما عن معاذ بن جبل ..

أن النبي لما أراد أن يُسَرّح معاذ إلى اليمن استشار ناسًا من أصحابه..
فيهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وأسيد بن حضير..
فتكلم القوم كل إنسان برأيه..
فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) "مَا تَرَى يَا مُعَاذُ؟"
قال معاذ: أرى ما قال أبو بكر..
فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) .. "إِنَّ اللَّه يَكْرَه فَوْقَ سَمَائِهِ أَنْ يُخَطَّأَ أَبُو بَكْرٍ".


وروى ذلك الحارث بن أبي أسامة في مسنده بلفظ: "إِنَّ اللَّهُ يَكْرَهُ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُخَطَّأَ أَبْو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فِي الأَرْضِ".

وأخرج ذلك الطبراني عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "إِنَّ اللَّهَ يَكْرَهُ أَنْ يُخَطَّأَ أَبُو بَكْرٍ". وقال: رجاله ثقات.

واستدل ابن القيم رحمه الله على فضل الصديق بهذا الحديث..فقال ..

وأضاف أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يُخَطِّئ أبا بكر إلا في تعبيره لبعض الرؤيا.. وإن الصديق من أعرف الصحابة بتعبير الرؤيا..وقال: إن المقصود بالتّخْطِيءِ الذي لا يرضاه الله هو تخطِيء البشر العاديين من غير رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لأبي بكر.

ومع هذا العلم الغزير والرأي الحكيم ...
إلا أنه كان دائم الاستشارة لأصحابه...
ولم يكن يعتد برأيه حتى في قضايا حروب الردة..

وإنفاذ بعث أسامة بن زيد ...
فإنه وإن كان صاحب رأي مختلف..
إلا أنه لم يفعله إلا بعد إقناع الصحابة برأيه وعلموا أن الحق معه.

وأخرج أبو القاسم البغوي عن ميمون بن مهران رحمه الله قال:

كان أبو بكر إذا ورد عليه الخصم -أي المختصمون في قضية- نظر في كتاب الله ..
فإن وجد فيه ما يقضي به بينهم قضى به..
وإن لم يكن في الكتاب وعلم من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في ذلك الأمر سنة فقضى بها..
فإن أعياه خرج فسأل المسلمين..
وقال: أتاني كذا وكذا، فهل علمتم أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قضى في ذلك بقضاء؟
فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيه قضاء ...
فيقول أبو بكر: الحمد الذي جعل فينا من يحفظ عن نبينا.


مما سبق يتضح أن الصديق لم يجمع فقط صفات الخليفة...
بل فاق فيها كل الصحابة وبسبق واضح..
أجمع على ذلك الصحابة المعاصرون له..
وأجمع على ذلك العلماء الأجلاء المتابعون للأحداث والمحللون لها..
فكان اختياره حقًّا اختيار العقل الحكيم والرأي السديد.

إذن بالعقل والمنطق والحكمة ...
لا بد أن يكون الصديق هو خليفة المسلمين بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
هذا الأمر مجرد من أي إشارة أو تلميح من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بخلافة الصديق..
فما بالكم إن كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد أشار في أحاديث عدة..
وفي مواقف مختلفة إلى رغبته في أن يخلفه الصديق ..

وهذا لا شك يزيد من موقف الصديق قوة..
ويؤيد الرأي الحكيم الذي اجتمع عليه صالحو الأمة وحكماؤها من الصحابة الكرام.



  رد مع اقتباس
[ 11-20-2014 ]   رقم المشاركة 30

 

 

الصورة الرمزية mohamadamin

تاريخ التسجيل: Feb 2009

رقم العضوية: 2643

المشاركات: 513

الدولة/المدينة: عمان- مرج الحمام

الارتفاع عن سطح البحر: 900 - 1000 متر

شكراً: 95
تم شكره 194 مرة في 113 مشاركة

افتراضي رد: ثمــرات .. من حياة الأربعة .. !

استخلاف الصديق بين التصريح والتلميح - في الأحاديث النبوية

روى البخاري عن أبي سعيد الخدري ..قال:

قال رسول الله : "إِنَّ مِنْ أَمِنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً غَيْرَ رَبِّي لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْر...
وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلامِ وَمَوَدَّتُهُ.. لا يَبْقَيَنَّ بَابٌ إِلاَّ سُدَّ إِلاَّ بَابُ أَبِي بَكْرٍ".


قال العلماء: هذه إشارة إلى الخلافة.. لأنه يخرج منها إلى الصلاة بالمسلمين..

وقد ورد لفظ آخر يزيد الأمر وضوحًا وهو: "سُدُّوا هَذِهِ الأَبْوَابَ الشَّارِعَةَ فِي الْمَسْجِدِ إِلاَّ بَابَ أَبِي بَكْرٍ".

وأخرج هذا اللفظ الترمذي عن عائشة ، والطبراني عن معاوية، والبزار عن أنس وغيرهم.

وأخرج البخاري ومسلم عن جبير بن المطعم قال:

أتت امرأة إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) ، فأمرها أن ترجع إليه
قالت: أرأيت إن جئت، ولم أجدك. كأنها تقول الموت
قال (صلى الله عليه وسلم) : "إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَائْتِي أَبَا بَكْرٍ"


قال الشافعي: في هذا الحديث الدليل على أن الخليفة بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هو أبو بكر ..

وأخرج الحاكم وصححه عن أنس ..

قال: بعثني بنو المصطلق إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)أن سله: إلى من ندفع صدقاتنا بعدك؟
فأتيته، فسألته..
فقال: "إِلَى أَبِي بَكْرٍ".


وهذا الحديث يكاد يكون صريحًا... فإن الذي يأخذ الصدقات هو الخليفة.

وأخرج مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت:

قال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في مرضه: "ادْعِي لِي أَبَا بَكْرٍ وَأَخَاكَ حَتَّى أَكْتُبَ كِتَابًا..
فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ، وَيَقُولُ قَائِلٌ: أَنَا أَوْلَى، وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلاَّ أَبَا بَكْرٍ".


وهذا تصريح أشد من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..

ويقول ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة: هذا نص جلي في استخلاف أبي بكر الصديق ..

لكنه (صلى الله عليه وسلم) لم يكتب كتابًا... لماذا؟!

يوضح ذلك ما جـاء في مسند الإمام أحمد عن عائشة أنها قالت:

قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في مرضه الذي فيه مات: "ادْعِي لِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَكْتُبُ لأَبِي بَكْرٍ كِتَابًا لا يَخْتَلِفُ عَلَيْهِ أَحَدٌ بَعْدِي..
ثم قال: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَخْتَلِفَ الْمُؤْمِنُونَ فِي أَبِي بَكْرٍ".


وهذا الحديث يشير إلى خلافة أبي بكر الصديق بوضوح ..
وهو أيضًا من دلائل نبوة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ...
فإن المسلمون فعلاً لم يختلفوا في خلافة أبي بكر الصديق عندما طرح اسمه للخلافة...
بل إن الموافقة عليه من الصحابة كانت بإجماع لم يحدث في مكان على الأرض.. لا قبل ذلك ولا بعد ذلك..
فلم تثبت حالات اعتراض على خلافة الصديق ..غير ما أشاعه المستشرقون.. وغيرهم..

وأخرج مسلم عن عائشة أنها سئلت: من كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مستخلفًا لو استخلف؟

وفي هذا تصريح إنه لم يستخلف أحد صراحة لا أبا بكر ولا غيره

قالت: أبو بكر
قيل لها: ثم مَن بعد أبي بكر؟
قالت: عمر.
قيل لها: ثم مَن بعد عمر؟
قالت: أبو عبيدة بن الجراح.


وأبو عبيدة بن الجراح مات سنة 18 هجرية في ولاية عمر بن الخطاب..
ولذلك لم يكن مرشحًا للخلافة عند استشهاد الفاروق سنة 23 هجرية.
وأخرج أحمد وأبو داود وغيرهما عن سهل بن سعد قال:

كان قتال بين بني عمرو بن عوف..
فبلغ النبي (صلى الله عليه وسلم) فأتاهم بعد الظهر ليصلح بينهم
وقال: "يَا بِلالُ إِنْ حَضَرَتِ الصَّلاةُ وَلَمْ آتِ فَمُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ"
فلما حضرت صلاة العصر، أقام بلال الصلاة، ثم أمر أبا بكر، فصلى.


ثم في رواية البخاري قال سهل بن سعد :

فجاء النبي (صلى الله عليه وسلم) والناس في الصلاة فتخلص -أي شَقّ الصفوف- حتى وقف في الصف الأول..
فصفق الناس... وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته...
فلما أكثر الناس من التصفيق، التفت فرأى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ..
فأشار إليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن امكث مكانك..
فرفع أبو بكر الصديق يديه فحمد الله..
ثم استأخر أبو بكر حتى استوى الصف.. وتقدم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .. فصلى..
فلما انصرف قال: "يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إِذْ أَمَرْتُكَ؟"
فقال أبو بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. "مَالِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمُ التَّصْفِيقَ، مَنْ رَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ ...
فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ".


روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال:

سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: "بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ عَلَيْهَا دَلْوٌ فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ..
ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قِحَافَةَ، فَنَزَعَ مِنْهَا ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ ضَعْفٌ..
ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ فَاسْتَحَالَتْ غَرَبًا، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ".


أي سقوا إبلهم... ثم آووها إلى عطنها... وهو الموقع التي تستريح فيه الإبل...
فهذا مثال واضح لما جرى لأبي بكر وعمر في خلافتهما وحسن سيرتهما..
وظهور آثارهما.. وانتفاع الناس بهما..
وكل ذلك مأخوذ من النبي (صلى الله عليه وسلم).. ومن بركته وآثار صحبته..

فكان النبي (صلى الله عليه وسلم) هو صاحب الأمر..
فقام به أكمل قيام..
وقرر قواعد الإسلام ومهد أموره وأوضح أصوله وفروعه..
ودخل الناس في دين الله أفواجًا..

وأنزل الله تعالى..

(اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا)

ثم توفى (صلى الله عليه وسلم)..
فخلفه أبو بكر سنتين وأشهرًا وهو المراد بقوله (صلى الله عليه وسلم).. "ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ".
وحدث في خلافته قتال أهل الردة وقطع دابرهم واتساع الإسلام..
ثم توفى..
فخلفه عمر ...فاتسع الإسلام في زمنه... وتقرر لهم من أحكامه ما لم يقع مثله.
فعبر (صلى الله عليه وسلم) بالقليب عن أمر المسلمين..
لما فيه من الماء الذي به حياتهم وصلاحهم..
وشبه أميرهم بالمستقى لهم..
وسقيه لهم قيامه بمصالحهم وتدبير أمورهم...

وهذا فيه من دلائل نبوته (صلى الله عليه وسلم)...
إذ لم يمكث أبو بكر إلا سنتين وأشهر قليلة..
ومكث عمر فترة طويلة... ولذلك قال (صلى الله عليه وسلم).. "نَزَعَ نَزْعًا لَمْ يَنْزِعْ أَحَدٌ مِثْلَهُ".

استخلاف الصديق بين التصريح والتلميح - في الصلاة

نأتي إلى حديث هام....
وهو من أهم الأحاديث التي أشارت إلى استخلاف أبي بكر الصديق ..
وهو الحديث الذي أمر فيه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أبا بكر أن يصلي بالناس أيام موته..
فظل يصلي بهم 10 أيام والرسول (صلى الله عليه وسلم) ما زال حيًّا..
لكن يمنعه المرض من القيام.

روى البخاري ومسلم عن عائشة قالت:

لما مرض رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مرضه الذي مات فيه..
فحضرت الصلاة، فأذن لها..
فقال: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ"
فقالت له: إن أبا بكر رجل أسيف -أي شديد الأسف والحزن..
وفي رواية: رجل رقيق- إذا قام مقامك لم يستطع أن يُسمع الناس..
فأعاد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الأمر مرة ثانية..
فردت عليه نفس الرد..
فأعاد الرسول (صلى الله عليه وسلم) مصرًّا على رأيه..
فطلبت السيدة عائشة من السيدة حفصة أن تعيد للمرة الثالثة فقال: "إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ".
وقال: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ"...فخرج أبو بكر فصلى..


ثم تكمل السيدة عائشة، كما جاء في البخاري.. فتقول:

فوجد النبي (صلى الله عليه وسلم) من نفسه خفة..
فخرج يُهَادى بين رجلين -العباس وعلي - كأني أنظر رجليه تخطان من الوجع..
فأراد أبو بكر أن يتأخر، فأومأ إليه النبي أن مكانك..
ثم أتي به حتى جلس إلى جنبه -وفي رواية إلى يساره وهو مقام الإمام- ...

وقيل للأعمش أحد رواة الحديث: وكان النبي يصلي، وأبو بكر يصلي بصلاته..
والناس يصلون بصلاة أبي بكر، فقال برأسه نعم.


يعني في هذه الصلاة بدأ أبو بكر الصلاة إمامًا..
ثم لحق به رسول الله (صلى الله عليه وسلم)... فأصبح هو الإمام إلى آخر الصلاة.

والذي يدعونا إلى قول أن السيدة عائشة ... كانت لا تريد أبا بكر أن يصلي بالناس ..
خشية أن يتشاءم به الناس...

ما جاء في كلامها هي في البخاري أيضًا حيث قالت: لقد راجعته، وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلاً قام مقامه أبدًا.

ولعل السيدة عائشة أرادت من هذا التردد أشياء أخرى في غاية الأهمية..
منها على سبيل المثال أن تنفي عن نفسها تهمة التآمر على توصيل الصلاة..
ومن ثم الخلافة إلى أبيها..
وقد حدث وطعن الطاعنون فيها بعد ذلك رغم هذا التردد..

ومنها أن تشهد حفصة بنت عمر على هذا الأمر..
لأن عمر بلا جدال هو المرشح الثاني للخلافة...
وقد يختاره الناس رغم فضل أبي بكر عليه..
وذلك لقوته وحسن إدارته وسطوته على الكفار والمنافقين..

فهي بذلك أشهدت أولى الناس بالشهادة..حتى يعلم مراد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
كما أنها بذلك أظهرت بما لا يدع مجالاً للشك ..
إن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يكن مترددًا في أمر إمامة أبي بكر ...
وأنه كان حاضر الذهن عندما عهد له بذلك..
وأبى أن يقوم غيره في هذا المقام..

وسواء كانت السيدة عائشة تقصد هذه الأمور أو لا تقصدها..
فإنه من فضل الله على هذه الأمة أن تحققت هذه الأمور بالفعل..
وظهر واضحًا لعموم المسلمين أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) ..
لا يريد للصلاة إلا أبا بكر الصديق ..

وهذا الموقف من أقوى الأدلة على رغبة رسول الله في استخلاف الصديق..

واستنبط منه ذلك علي بن أبي طالب لما قال: رضيه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لديننا فرضيناه لدنيانا.

كما روى الحاكم في مستدركه؛ أي رضيه للصلاة فرضيناه للخلافة.

أيضًا استنبط عمر رغبة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في خلافة الصديق وذلك يوم السقيفة..

يوم قال للأنصار: ألستم تعلمون أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قدم أبا بكر للصلاة؟
قالوا: بلى. قال: فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم من قدمه رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟
قالوا: لا أحد، معاذ الله أن نتقدم على أبي بكر.


روى ذلك النسائي والحاكم.

وظل أبو بكر يصلي بالناس طوال فترة مرض الرسول (صلى الله عليه وسلم)..
ولم يخرج الرسول (صلى الله عليه وسلم) للصلاة مرة أخرى..
فقد أقعده المرض عن ذلك.

وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مصرًّا ..
على أن لا يشارك أبا بكر أحد من المسلمين في الإمامة ..
كي لا يختلط الأمر على المسلمين بعد ذلك.

يروي أبو داود بسند صحيح عن عبد الله بن زمعة قال: لما اسْتُعِزّ برسول الله (صلى الله عليه وسلم) -أي اشتد به المرض- وأنا عنده في نفر من المسلمين، دعاه بلال إلى الصلاة فقال: "مُرُوا مَنْ يُصَلِّي بِالنَّاسِ".

وهنا لم يصرح الرسول (صلى الله عليه وسلم) باسم أبي بكر أو غيره..

يقول: فخرجت، فإذا عمر في الناس، وكان أبو بكر غائبًا، فقلت: يا عمر قم فصل بالناس.

وواضح أن عبد الله بن زمعة ... وغيره من الصحابة ..
كانوا يعلمون أن الذي يجب أن يصلي بهم هو أبو بكر.. لكنه لم يكن موجودًا.. فليكن عمر..

يقول عبد الله بن زمعة : فتقدم عمر فكبر، فلما سمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صوته، وكان عمر رجلاً مجهرًا، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)... "فَأَيْنَ أَبُو بَكْرٍ، يَأْبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ، يَأْبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ"

فبعث إلى أبي بكر، فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة، فصلى بالناس.

وفي مسند الإمام أحمد رحمه الله زيادة ....

حيث جاء عمر بن الخطاب إلى عبد الله بن زمعة وقال له -بعد الصلاة لما سمع غضب رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. ويحك ماذا صنعت بي يا ابن زمعة، والله ما ظننت حين أمرتني إلا أن رسول الله أمرك بذلك، ولولا ذلك ما صليت بالناس. فقال عبد الله بن زمعة : والله ما أمرني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، ولكن حين لم أر أبا بكر رأيتك أحق من حضر بالصلاة.

فهذا الغضب من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يؤكد أنه يريد أبا بكر لذاته..
وإلا فالصلاة صحيحة..
وعمر من أفاضل الرجال..
بل هو أفضلهم بعد أبي بكر الصديق..
لكن في هذا المقام أراد الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن لا يلتبس الأمر أبدًا على المسلمين بعد وفاته..
فلا يختلفون على الصديق ..



  رد مع اقتباس
رد


أدوات الموضوع
طرق مشاهدة الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
الانتقال السريع إلى


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 02:28 AM.