الغبار البركاني حبيس أوروبا صـيفا
تحقيق : محمود القنواتي
مع تزايد فوران البركان واستمرار الرياح الشمالية القادمة من أوروبا سيصل لمصر وأجزاء من منطقة الشرق الأوسط الغبار البركاني لكن في شمال البلاد وبشكل غير كثيف وسيستمر 3 أيام ، ومن المتوقع أن تصاحبه بعض الأمطار ، ويشير خبراء الطقس إلى انه إذا حدث هذا البركان في الشتاء لكان الوضع اختلف تماما حيث كانت الرياح ستحمل غباره بكثافة لمصر ومنطقة الشرق الأوسط ، وما يحدث فـي أوروبا كان سيحدث لدينا في المنطقة ، ومع قدوم فصل الصيف سيقوم التيار الهوائـي الجوى النفاث على شمال البحر المتوسط بحماية أجواء الشرق الأوسط ومصر من غبار البركان الذى سيظل حبيسا في قارة أوروبا حتى مطلع الشتاء ، وإذا استمرت ثورة البركان للشتاء سوف تنتقل إلينا عبر الرياح كميات غبار كثيفة ، ويشير العلماء إلى أن البراكين ظاهرة طبيعية مفيدة للتنفيس عن باطن الأرض كما أن لها دورا في طبقات الجو حيث إن الغبار يلعب دورا مهما فـي ظاهرة النهار ، وتوجد آلاف البراكين لكن النشيط منها نحو 516 بركانا.
يقول الدكتور حسين زهدى خبير الأمم المتحدة فـي مجال الأقمار الصناعية والمناخ ورئيس هيئة الأرصاد الجوية سابقا إن ظاهرة ثورات البراكين ظاهرة طبيعية ومن الصعب التنبؤ بحدوثها أو استمرار شدتها ، وليس بركان ايسلندا أو شيلـي من أقوى البراكين التـي انفجرت فعلى مدى التاريخ كانت هناك براكين أشد فالبركان الذي انفجر عام 1821 استمرت ثورته ما يقرب عامين ونصف العام نتج عنه كميات هائلة من الغبار البركاني كما أن بعض العلماء يتوقع استمرار بركان أيسلندا وتزداد شدته ويمكن استمراره أشهرا وللعلم أيسلندا بها ما يقرب من 30 بركانا وليس أقواها هذا البركان ، وسحب الغبار البركانية قد تستمر فـي الغلاف الجوى لفترات طويلة حتى بعد انتهاء ثورة البركان وارتفاع البركان الحالى وصل لأكثر من 11 كيلومترا ، فوق معظم دول شمال أوروبا وجزء محدود من دول جنوب أوروبا وهذا يدل على أن جزءا من الرماد البركانـي فـي الأجواء وصل لطبقة الاستراتوسفير التـي تبدأ بنحو ارتفاع 8 كيلومترات من سطح الأرض فوق الشمال الأوروبـي ، وهـي طبقة ساكنة ومستقرة يصل سمكها من 8 إلى 50 كيلومترا فوق سطح الأرض ، ويمكن أن يستمر الغبار البركانـي بها وتحتفظ هذه الطبقة بالغبار البركانـي لفترات طويلة تصل لسنوات.
انخفاض الحرارة
وتؤثر سحب الغبار البركاني بشكل مباشر على انخفاض حرارة الغلاف الجوى حيث تعمل هذه السحب على تشتت أشعة الشمس وانعكاس جزء منها ما يساعد على إضعاف الطاقة الحرارية التـي تصل لسطح الأرض من أشعة الشمس المباشرة ، حيث إن الغلاف الجوي لا يتأثر مباشرة بأشعة الشمس وإنما يكتسب حرارته من تلامسه مع سطح الأرض ومن الأشعة تحت الحمراء المنبعثة من الأرض نتيجة ارتفاع حرارة الأرض ، وهذا ما حدث مع البراكين السابقة وتم رصد حرارة الأرض بعد بركان شيلـي الأخير الذى بدأ عام 2008 وأدى لانخفاض حرارة الأرض فـي العامين الآخرين ، ومن المتوقع أن يتسبب بركان أيسلندا من المزيد من انخفاض حرارة الغلاف الجوى لأن الغبار الخاص ببركان شيلـي مازال عالقا فـي طبقة الاستراتوسفير ، ويسمى هذا الغبار عكارة جوية على المدى الطويل حيث يحمل أجساما وذراتْ صلبة ، وهذه العكارة الجوية تلعب دورا مهما فـي عملية حدوث النهار ، والليل ولذلك فإن للبراكين أهميتها فـي حدوث النهار لأنه فـي الأصل الكون كله مظلم لكن وجود العكارة الجوية تتسبب فـي تشتت الأشعة الزرقاء من الطيف الشمسـي فتحول شكل السماء كأنها زرقاء وعندما تكون الشمس عند الأفق فـي فترات الشروق والغروب يكون لون السماء أحمر نتيجة أن الشعاع الشمسي يمر بالقرب من سطح الأرض فيصطدم بالعكارة المحتوية على أجسام صلبة يزيد حجمها عن ذرات الغبار فـي أعلى الغلاف الجوي ويزيد قطرها عن طول موجة الطيف الأحمر فتشتته فيتحول لون السماء للون الأحمر أو ما يسمى الشفق ، ومع ابتعاد الشمس يأتـي الظلام الكوني ، وعند خروج رواد الفضاء خارج الغلاف الجوي لايرون إلا سوادا وتصبح الشمس نجما مضيئا مثل باقي النجوم.
تبادل الكتل
ويضيف الدكتور حسين زهدي أن الرياح عملت فـي طبقات الجو العليا من طبقة التروبوسفير على انتشار غبار بركان أيسلندا فوق أجواء الدول التـي تقع فـي مسارات هذه الرياح ونظرا لأن الرياح تتحرك بشكل عام من الغرب للشرق وفقا لحركة دوران الأرض حول محورها ، فقد انتشر الغبار البركاني من جزيرة أيسلندا باتجاه الشرق ليغزو دول شمال أوروبا التـي تقع فـي مسار الرياح الغربية خلال فصل الربيع ، حيث تكون هـي الرياح السائدة فـي منطقة شمال أوروبا فـي طبقات الجو العليا فيما بين 3كيلومترات أعلى سطح الأرض إلى 6 كيلومترات وذلك على شكل موجات طويلة يصل طولها لنحو 8 آلاف كيلومتر بالاتجاه الأفقي بينما تتأثر منطقة جنوب أوروبا والبحر المتوسط برياح غربية على شكل موجات قصيرة يطلق عليها الموجات الثانوية من هذه الموجات الطويلة إذ يبلغ طولها فـي المتوسط نحو 4 آلاف كيلومتر على المستوى الأفقي ، وهذا الوضع للغلاف الجوي لايسمح بتبادل الكتل الهوائية بين شمال أوروبا وجنوبها على نطاق واسع إلا من خلال الموجات الثانوية القصيرة ، ولذلك كان انتشار سحابة الغبار البركانـي بشكل واسع ومؤثر على معظم دول شمال أوروبا وإن كان تأثرها محدودا على جنوب أوروبا ، وسوف تتعرض منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط وفقا لقراءة خرائط الطقس والتحليل المستقبلـي المتوقع لها ولمدة 3 أيام قادمة منذ ليلة الخميس إلى موجة قصيرة فـي طبقات الجو العليا يصاحبها رياح شمالية تأتـي من وسط وجنوب أوروبا إلى شمال مصر ومنطقة الشرق الأوسط ، تحمل معها بعض من الغبار البركانـي لهذه المناطق ، وسيكون بشكل محدود ولمدة أيام حيث تشير الخرائط المستقبلية إلى أن الرياح فـي طبقات الجو العليا ، ستتحول فوق هذه المنطقة لرياح جنوبية غربية فتعمل على إزاحة الغبار للشمال مرة أخرى ، كما أن بعض هذا الغبار قد يسقط مع الأمطار المتوقعة على شمال مصر وبعض مناطق الشرق الأوسط خلال غزو الرياح الشمالية الباردة القادمة من وسط وجنوب أوروبا ، وبدأت الأمطار منذ أمس.
وهذه الأتربة والغبار ليست مؤثرة على حركة الملاحة الجوية فوق مصر ومنطقة الشرق الأوسط لكن التأثير الأكبر سيظل فوق شمال أوروبا.
الشتاء خطر
ونحمد الله أن ثورة البركان لم تحدث خلال فصل الشتاء ـ وفقا لكلام الدكتور زهدي ـ الذى يتميز بالمنخفضات الجوية التـي تعبر البحر الأبيض المتوسط من الغرب للشرق ويعقبها غزو للهواء البارد القادم من شمال أوروبا لمنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط ، وإذا حدثت ثورة البركان خلال الشتاء لكانت السحابة البركانية تغطي سماء منطقتنا وما حولها ، وفـي الصيف لاخوف من استمرار ثورة البركان على منطقة الشرق الأوسط لعدم وجود أى تبادل للكتل الهوائية بين أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط لوجود التيار الهوائـي النفاث تحت المدارى الذى يقع على ارتفاع نحو 12 كيلومترا فوق خط عرض 35 درجة شمالا فـي شمال البحر المتوسط ، ويعمل كحاجز بين حركة الغلاف الجوى شمالا وجنوبا.
ويتمنى أن تقف ثورة البركان قبل حلول فصل الشتاء القادم حتى لاينقلب علينا غبار البركان مع الرياح الشتوية الشمالية.
ويتوقع بعض العلماء أن يحدث انفجار بركانـي آخر فـي أيسلندا قريبا ، وللعلم برغم قوة بركان شيلـي إلا أن تأثيره على العالم والملاحة الجوية غير محسوس لبعده عن العالم لوجوده فـي نصف الكرة الجنوبي بمنطقة نائية وبعيدة عن الأنشطة البشرية.
انطلاق غبار البركان
والغبار الناتج عن البركان الواحد أكثر بأضعاف من الملوثات الناتجة من النشاط الإنسانـي على الأرض ، إلا أن نواتج التلوث الصناعي خطيرة وتنزل على شكل أمطار حمضية فتلوث التربة والأجواء ، وللعلم طبقة الأوزون توجد فـي طبقة الأستراتوسفير التـي تبعد عن الأرض نحو 12 كيلومترا فـي المتوسط وتوجد طبقة عازلة تفصل بينها وبين طبقة التروبو سفير القريبة من سطح الأرض ، والطبقة الفاصلة هـي بها تغير فـي التدرج الحراري وتمنع اختراق الملوثات ، إلا فـي وجود التيار النفاث ، وللعلم تقل درجات الحرارة بالارتفاع بمعدل من 7 - 10 درجات فـي كل كيلومتر ، وبالعكس تزيد درجة الحرارة بالارتفاع فـي طبقة الاستراتوسفير التـي تمتد إلى ارتفاع 50 كيلومترا فوق سطح الأرض ويوجد فـي داخل الاستراتوسفير غاز الأوزون.
أقوى البراكين
يوجد فـي العالم نحو 516 بركانا نشطا ، وهناك أكثر من 10 آلاف بركان خامد ، وتصدر الحمم من عمق يصل إلى 450 كيلومترا فـي باطن الأرض ، ويتركز معظم البراكين خاصة النشطة فـي شكل أحزمة توازي منطقة الشقوق والكسور والفوالق الطبيعية ، والتوزيع الأكبر للبراكين فـي المحيط الهادي ويسمى "دائرة الحزام النارى" ، يليه منطقة البحر المتوسط ويلتف حتى يصل لأمريكا ، وتتوزع ثلاثة أرباع البراكين على حافة المحيط الهادي ، %80 منها على الأجزاء اليابسة من القارات ، وهناك العديد منها يثور فـي المحيط ، وتبلغ وفيات البراكين المسجلة منذ عام 1979 قبل الميلاد نحو ربع مليون نسمة.
وقعت أكبر ثورة براكين فـي العالم فـي أندونيسيا عام 1815 ، وأطول مسافة قطعتها الحمم البركانية كانت 70 كم ناتجة من بركان لاكـي بأيسلندا عام 1873 ، ويمثل بركان جزيرة كراكاتو الواقعة بين سومطرة وجاوة أعظم انفجار بركانـي فـي أغسطس 1883 وتدفقت الحمم إلى ارتفاع 55 كيلومترا وقطع الغبار البركانـي مسافة أفقية نحو 5330كم ، أوسع فوهة بركانية بركان سوماطرة ومساحتها 1775كيلومترا مربع.
ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة
التاريخ : 24-04-2010
رد: الغبار البركاني حبيس أوروبا صـيفا
العرض العادي
