عمون – محمد الخوالدة - اعتاد الاوائل من اجدادنا على ربط تقلبات فصل الشتاء بقصة او حكاية , ويعتقد ان مرد ذلك الى طبيعة الحياة في زمنهم فبعد قضاء يوم عمل شاق في الحقل او في رعاية الغنم لا ابد من ليلة سمر في بيت شيخ العشيرة ليس امام الناس لقضائها سوى البحث في امور الحياة العامة.
اما للترويح عن النفس فليس هناك سوى سرد القصص والحكايات الشعبية من هذا القاص او ذلك او من شاعر او ربابه ، خاصة في فصل الشتاء حيث البرد والمطر الذي يدفع الناس للتجمهر حول بعضهم البعض طلبا للدفىء او حول "منقل" الحطب الذي تظل ناره مشتعلة طيلة سهرهم يستفيدون منها علاوة على التدفئة الابقاء على دلال القهوة ساخنة وجاهزة للشرب او لعمل "كباية شاي " كما كانوا يسمونها انذاك .
ولعل من ابرز حالات طقس الشتاء التي ربطت بقصة او حكاية ، قصة "قران العجايز " التي كتبنا عنها في وقت سابق ، اما في هذه المتابعة فسنتحدث عن قصة سعد ذات الاربعة جوانب تحت عناون سعد الذابح وسعد الخبايا وسعد السعود وسعد البالع ، وتفاصيل القصة كالاتي وذلك وفق الروايات الشعبية :
كان سعد على سفر في يوم كان هطول المطر متوقعا فيه ، فلم يسمع سعد كلام من هم اكثر منه دراية وخبرة باحوال الطقس وتقلباتها فاصر على رحلته فامتطى ناقته وتوجه من مكان اقامته الى الوجهة التي يريدها ، وما ان بلغ سعد منتصف الطريق على ظهر ناقته حتى انقلبت حالة الجو فعصف الريح وقصف الرعد وسقط المطر والبرد ، وهذا ما حال دون ان يمضي سعد في رحلته وهو في تلك البيداء المنقطعة حيث لامكان ياوي اليه ليتقي زمهرير الشتاء ، فلم يجد امامه سوى ذبح ناقته وبقر بطنها واخراج احشائها ليتدفىء داخل بطنها ، ومن هنا قيل "سعد الذابح" وبعد ان انفرجت حالة الجو وشعرسعد بالجوع لم يحد امامه سوى لحم ناقته التي ذبحها ليتغذى به وهو ما سمي "سعد البالع" ، وحيث ان فعلة سعد هذه اتسمت بالذكاء بالابقاء على نفسه حيا وسط تلك المخاطر التي اعتبر ان تجاوزه لها حياة جديدة كتبت له فقيل "سعد السعود" تعبيرا عن السعادة بنجاته ، وبعد اعتدال الطقس عاود سعد سفره ، فصنع من جلدها دثارا له ليتقي به برد الليل القارس ، فيما كان سعد قد احتفظ ببعض لحم الناقة كزوادة له في ما تبقى امامه من مسافة سفر فقيل "سعد الخبايا".
هذه التسميات يقابلها في علم الفلك فان هذه الفترة تسمى خمسينية الشتاء وهي حالة جوية تستمر 50 يوما ، تقسم وفق تسميات قصة سعد السعود الشار اليها ، أي ان الخمسينية تنقسم الى اربعة اجزاء مدة كل منها اثنا عشر يوما ونصف اليوم .كالاتي :
تبدأ فترة سعد الذابح من 1 شباط الى منتصف نهار 12 شباط ويقال ان اطلاق تسمية سعد الذابح على هذه الفترة هو للدلالة على شدة البرد والمطر ، اما فترة سعد البالع فمن منتصف نهار 13 شباط الى 25 منه ، واطلاق اسم سعد البالع عليها للدلالة على ان الارض تبتلع المطر مهما كانت كثافته ، اما سعد السعود فيرتبط بمقولة شعبية مفاداها " في سعد السعود تدور الميه في العود" أي ان الحياة تنتعش في الشجر والنبات ، وفترته من منتصف نهار يوم 26 شباط وحتى منتصف نهار يوم 10 اذار.
وتبدا فترة سعد الخبايا من منتصف ظهر يوم 10 اذار وحتى نهار 22 اذار ، ويقال ان هذه الفترةتسمى باسم سعد الخبايا لان النشاط يدب في الحشرات والزواحف وهي من خبايا الارض ، كمؤشر ان الجو يميل للدفىء.