سمر ورهام في الجنة !
في أجمل ثياب يلبسها بشر .. كانت سمر ورهام تسيران معاً ويداهنّ متشابكتان …
تمشيان رويداً رويداً .. في ظل ظليل من خمائل الجنة ..!!
مستمتعتين بزقزقة العصافير وتغريد البلابل الساحر .!!
تتسابق إلى أنفيهما الروائح الزاكية من كل الورود والأزهار .. التي تملأ الأرض من حولهما .. لكن الأجمل من ذلك كله .. هذه السكينة والحبور والسعادة المطلقة التي تغمرهما .. فتشيع البهجة والابتسامة على وجهيهما … وفجأة سألت سمر رهام : كم مضى علينا من الوقت ونحن نمشي في هذه الخميلة ؟
ابتسمت رهام وقالت : لا أدري .. فلا يهمني الوقت عندنا منه الكثير الكثير !
ضحكت سمر وقالت : أعرف أنك لا تشبعين من المشي فأنت كنت تتمنّينه في الدنيا !
أجابت رهام : صدقت يا سمر لقد كنت أتمنّاه بالفعل … لقد فتحت عيني على الدنيا فوجدت نفسي أسيرة كرسي العجلات.. وكنت أراقب الناس يمشون على أرجلهم … فأغبطهم على ذلك … وكانت أقصى أمنياتي في الدنيا أن أسير على رجليّ ولو لبضع خطوات … لأعرف كيف يشعر الناس بأقدامهم !!
وكنت أشعر بالعجز كل يوم ألف مرة..
ولم تكن نظرات الشفقة في عيون الناس تزيدني الا ألماً وغصة …
ولولا احتسابي لمصيبتي عند الله عز وجل لكانت حياتي جحيماً لا يطاق !!
ضغطت سمر على يد صديقتها رهام لتشعرها بالتعاطف… فيما كانت تركل برجلها لؤلؤة كبيرة من تلك اللآلئ التي تملأ الطريق تحت أقدامهما … وقالت : لقد حرمك الشلل من الزواج وتكوين الأسرة التي تحلم بها كل أنثى !
ضحكت رهام وقالت : هذا صحيح … لكنني عندما كنت أرى حالكِ مع زوجك … كنت أحمد الله على عزوبتي الإجبارية !
تنهدت سمر بعمق وقالت : لقد كان رجلاً ظالماً فاجراً.. لا تعرف الرحمة إلى قلبه سبيلاً … قاتل الله خمر الدنيا ما أسوءها … لقد كانت تعبث برأسه أشد العبث حتى أضاع فيها دينه وعقله وصحته …
وضيعني وأولادي وأذاقنا أصناف العذاب والهوان !
وهنا جاء دور رهام لتضغط على يد سمر مواسية !
لكن سمر نظرت إليها نظرة حب عميق وقالت : والله يا رهام لو لا تلك الساعات القليلة التي كنت أزورك فيها …نتواصى فيها بالحق والصبر… ونلتقي على تلاوة القرآن وحفظه … لما أحببت البقاء في الدنيا لحظة واحدة !
وهنا طفرت دمعة ساخنة من عيني رهام … وقالت وهي تغالب مشاعرها المختلطة بين آلام الماضي البعيد.. وأفراح الحاضر السعيد : لا تنسي يا سمر أن تلك الامتحانات التي عشناها في الدنيا … هي التي أورثنا الله تعالى بها الجنة نتقلب فيها حيث نشاء .. أجابت سمر بسرعة : لا شك في ذلك يا أختي … وصدقيني لقد نسيت هموم الدنيا كلها ولم أعد أشعر بشيء من غصصها عند أول لحظة من لحظات رؤيتي للجنة … بل قبل ذلك بكثير.. عندما أكرمني ربي وتلقيت كتابي بيميني … أتذكرين تلك الأيام المرعبة … أجابت رهام وهل يستطيع أحد نسيانها لقد كانت أياماً مخيفة رهيبة.. في انتظار صحائفنا المتطايرة فوق رؤوسنا … ولولا لطف الله بنا ورحمته إيانا… لتلقينا كتابنا بالشمال والعياذ بالله…
وصمتت فجأة لتسمح لنفسها ولصديقتها بالاستمتاع بتغريدة عذبة طويلة من طائر جميل بديع مرّ فوق رأسيهما في تلك اللحظة !
ثمّ تابعت قائلة :
وعندما تلقيته باليمين أيقنت بالنجاة والفوز ونسيت كل هموم الدنيا ومتاعبها …
عند هذه النقطة من الحوار وصلت الصديقتان إلى بحيرة جميلة رقراقة فيها الكثير من الأسماك الملونة … والبط الوديع.. والإوز البديع … وجلستا على حافتها المفروشة باللؤلؤ والفيروز … وطلبتا طعاماً شهياً يليق بتلك الرحلة الماتعة !
وعلى الفور تقاطرت أمامهما أطباق اللحوم والمأكولات الشهية مما عرفوا أو جهلوا من قبل !
وتزاحمت أشكال الحلوى والفواكه وألوان الشراب اللذيذ!
فأقبلتا تأكلان بنهم وسعادة …وترميان شيئاً منه للبط والإوز… مستمتعتين بكل ما حولهما من ماء غزير وخضرة يانعة وطيور زاهية الألوان…
وأثناء الطعام قالت رهام : ما رأيك يا سمر .. هل سنستمر بهذه العزوبية السعيدة إلى ما لا نهاية .؟!
أجابت سمر ضاحكة : دعينا نهنأ بها مليون سنة أخرى .. ثم نفكر في الخيارات الأخرى بعد ذلك !!!
ضحكت رهام ضحكة طويلة وقالت : أما أنا فقد لا أنتظر أكثر من ألف سنة قادمة !
وفي طريق العودة إلى القصور… اختارت الصديقتان العودة راكبتين … حيث وصلتهما على الفور أفخم المراكب الطائرة وحملت كل واحدة منهما إلى قصرها الجميل !